علاء المفرجي
العلاقة بين التشكيلي والسينمائي تأخذ شكلها من خلال العلاقة التبادلية بينهما. فالبعد التشكيلي له حيز مهم داخل إطار الصورة السينمائية، ويساهم في التأثير الجمالي بشكل متعدد. الشيء نفسه يمكن الحديث عنه إذا ما قمنا بقراءة معكوسة خاصة، وأن حضور المكون السينمائي من التشكيل آخذ بالازدياد في زمننا هذا ، زمن حضارة الصورة الذي أصبح متواجداً بكل أشكاله، عبر التطور التكنولوجي.
وفي كتاب (لغة التصوير ولغة السينما) ترى المؤلفة ايمان فارس أنه يمكن تناول البعد التشكيلي للصورة السينمائية من خلال النظريات والإتجاهات السينمائية عبر إنفتاحها على النقد الأدبي السينمائي والفلسفي والسيسيولوجيا وتاريخ النقد، وهذه العلاقة تتجلى من خلال أشكال تعبيرية بصرية أخرى كالفيديو آرت.
و يسعى الكتاب إلى دراسة توظيف مكونات وعناصر اللوحة التشكيلية في الفيلم السينمائي، والكشف عن الدور التقني والتجريبي في إنشاء مكونات العمل الفني وتوظيفه في وسيط آخر، وكذلك الكشف عن أثر الأسلوب الفني في تجديد أبعاد داخل اللوحة التشكيلية وتوظيفها سينمائيا.
ومما شك فيه، أن هناك فروقات واضحة بين الوسيطين، السينما، والتشكيل، بأن السينما فن يعبر الواقع بالواقع نفسه، بأشياء وكائنات من الواقع؛ ذلك بخلاف الفنون الأخرى، ومن بينها التشكيل، التي تعبر عن الواقع بعدد من الإشارات أو الرموز.
وفيما يتصل بالعلاقة بين المتلقي والعمل الفني ترى المؤلفة، نجد أن ثمة مسافة بين اللوحة والمتلقي، مسافة مرسومة ومعينة سلفا، وهناك إدراك لدى المتلقي بأن ما يوجد أمامه، سواء أكان قابلا للفهم أو غامضا، ما هو إلا (صورة) للواقع لا يمكن على الإطلاق مطابقتها مع الحياة، حتى لو كانت شبيهة بالحياة أو تحاكي الحياة الواقعية بدقة تامة.
وسلطت المؤلفة في كتابها ضوءا على صورة الفنان التشكيلي في السينما، حيث سيرة الفنان واسلوب عمله في اللوحة، واختارت اربعة افلام مختلفة بكل شيء، لا يجمعها رابط سوى الاشتغال على اللون، وهم الفنانة الفرنسية الفطرية (سيرافين دوسانليس) والفنان الهولندي فان كوخ، والسوري فاتح المدرس، والعراقي جبر علوان.
وخصصت المؤلفة فصلا عن المخرج المصري شادي عبد السلام (1930-1986)، الذي بدأ كفنان تشكيلي ومصمما للديكور، وعمل مساعد للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957، ثم عمل مساعدا للإخراج في عدة أفلام لمخرجين عرب أمثال صلاح ابو سيف، ولمخرجين أجانب. وشارك في الفيلم البولندي (الفرعون) من إخراج كافليرو فيتش، وكان ذلك بدايته الحقيقية في مشواره السينمائي.
واختيار المؤلفة في كتابها للمخرج عبد السلام، فيلمه (المومياء) الذي لا يختلف عشاق السينما عن القيمة التشكيلية فيه، فاغلب الافلام العربية تفتقر للناحية التشكيلية عدا النزر القليل منها. حيث تشير المؤلفة في كتابها الى القيمة الفنية لهذا الفيلم، باعتباره محاولة فريدة ونادرة في السينما العربية، لاحترامه القيمة التشكيلية في كل لقطة من لقطاته، فقد قدم المخرج قواعد التكوين بأفضل صورها من توزيع الاجسام والمساحات، فوضع الخطوط- الحركة داخل الكادر، وتقول المؤلفة: “من المؤكد أن أول ما يخرج به المشاهد هو التأثر بروعة المرئيات الى حد الخيال، فاغلب اللقطات الفردية لا تنسى، مثل لقطة جنازة الرجل العجوز، حيث تنتشر البتلات الارجوانية على الارض، وتتحول الشاشة جميعها الى اللون الارجواني، أو لقطة الشاب من حيطان المعبد، وهي مصورة من أعلى مباشرة بحيث يصبح هو الشيء الوحيد المتحرك وسط هذا التشكيل الرائع من الحجارة الذهبية.”
وقد اعتمد شادي عبد السلام في تحقيق رؤيته الفنية على عناصر أساسية مهمة – تتناولها المؤلفة بالتفصيل- لأسلوب الرسم، محوّلا الصورة من تصوير يدوي الى تصوير بالضوء.