علي حسين
ليس صحيحاً أن الدولة أهملت المتقاعدين المسكينين الذين فارقا الحياة وهما يقفان لساعات طويلة في طابور تسلم الرواتب أمام أحد المصارف في السليمانية، فقد قررت المحافظة أن تقوم بعمل ثوري فشكلت لجنة تحقيقية!!..
كل ما في الأمر أن الجميع منشغل بمعركة كراسي السلطة، ولذلك لا أوافق أبدً على ما ذهب إليه البعض من أنه كان يفترض أن يترك السادة المسؤلون مشاغلهم الضخمة ومسؤولياتهم الجسام ليضيعوا دقائق من وقتهم الثمين في متابعة أحوال هذا الشعب الذي يعاني من تخمة الديمقراطية.
في كل يوم نعيش مع تصريحات لساسة ومسؤولين يتقاضون رواتب مليونية من دولة اسمها العراق، لكنهم يتمنون الخراب لهذه البلاد. في أي بلاد من بلدان العالم يفرح ويهلل سياسي ووزير سابق مثل جاسم محمد جعفر عندما يسمع أن إيران قصفت أربيل؟، ولا تضرب عزيزي القارئ أخماساً في أسداس لتعرف لماذا يُعامل العراق بكل هذا الجحود ونكران الوطنية.
ولا أريد أن أزعجكم بأخبار بلاد الرافدين وتقلبات سياسييها، واسمحوا لي أن أدس أنفي في شؤون البلدان "الكافرة" فقبل أيام قرأنا في الأخبار أن فنلندا صُنفت للعام الخامس على التوالي، على أنها أسعد مكان للعيش في العالم. نحن خارج هذه التصنيفات، فقد حصدنا المراكز الأولى في الفساد والبؤس ودرجات متأخرة في الرفاهية والسعادة. لايهم، فمثل هذه التقارير تضعها منظمات تتآمر على تجربتنا "الديمقراطية"، لا نقرأ في الأخبار عن خطب المسؤولين في فنلندا، لكننا نعرف أن حجم اقتصادها ينافس بقوة العديد من دول الاتحاد الأوروبي، أما رأس مالها فيعتمد على ثلاثة مجالات أساسية هي: التعليم، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والابتكار واكتساب المهارات، وهذا بالتأكيد ما نتفوق به نحن الذين حولنا التعليم إلى تعتيم، والابتكار إلى انتهازية، واكتساب المهارات إلى فن سرقة المال العام. قبل اشهر اكتشف الإعلام الفنلندي أن رئيسة وزرائهم سانا مارين متورطة بقضية فساد كبرى، حيث تجاوزت هذه المسكينة صلاحياتها وقررت أن تتناول " وجبة الفطور " على حساب الدولة حيث بلغت مصروفاتها ألف دولار شهرياً، فيما القانون يسمح لها باربعمائة دولار فقط لاغير كل شهر، وليس كل ساعة، ولن أحيلكم إلى قائمة الشاي التي نشرت لأحد وزرائنا وكانت بقيمة 15 مليون شهرياً.
لاحِظ جنابك الكريم أن رئيسة الوزراء قدمت اعتذارها، لكن الصحافة لم تتركها في حالها وطالبتها بإعادة الأموال.. بينما لا نزال في هذه البلاد نخشى أن نقول للمسؤول الفلاني أين أخفيت المليارات التي نهبت من موازنة الدولة؟، فيما يطلب منا البرلمان كل مرة أن نعترف بعبقرية النائب مثنى السامرائي في لفلفة أموال وزارة التربية.
مرّة أخرى: في الدول المنكوبة بالفشل ، تجوع الناس ، وتُسرق البلاد ، وتُحتسب المنافع لمصلحة سماسرة الخراب .