 د. فالح الحمــراني

كل الحروب تنتهي آجلا أم عاجلا باتفاقيات سلام. وتدلل المؤشرات على اقتراب النزاع المسلح في أوكرانيا من نهايته، وظهور مشاعر التفاؤل بتوصل موسكو وكييف الى قواسم مشتركة للتسوية في المباحثات التي تدور بين وفديهما. ويقف وراء ذلك إن القوات المسلحة الروسية تحقق بنجاح الأهداف التي المرسومة لها،

فيما أدركت كييف إن الغرب أحبط رهانتها عليه والتدخل عسكريا أو على الأقل غلق أجواء البلاد للحماية من القوة الجوية الصاروخية الروسية المتفوقة، وليس ليه النية في إثارة نزاع ساخن مع روسيا من أجل أوكرانيا. ووفقا للعديد من المصادر فان هناك اتفاق بشأن تخلي أوكرانيا الانضمام للناتو او تحالف عسكري آخر، وعدم استضافة اية قواعد أجنبية، ووضع اطر لقدراتها العسكرية علاوة على حصولها على ضمانات أكيدة لأمنها الوطني. وستناقش على ما يبدو مسالة الاعتراف بشرعية انضمام القرم لروسيا واستقلال الجمهوريتين دونتسك ولوغانسك، بصورة منفصلة.

وقال رئيس الوفد الروسي، المساعد الرئاسي فلاديمير ميدينسكي، إن ممثلي كييف في المحادثات اقترحوا أن تتمتع اوكرانيا بصفة الدولة المحايدة على غرار النموذج السويدي أو النمساوي. منوها بأن الجانب الروسي يتحدث عن دولة منزوعة السلاح لها جيشها وقواتها البحرية، وفقا لميدينسكي، تتم حاليا مناقشة هذه القضايا على مستوى قيادة وزارتي الدفاع في روسيا وأوكرانيا. وأضاف أن أوكرانيا تتمتع بصفة الحياد منذ منذ انسحابها من الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وبالتالي، حسب قوله، “لا تزال أوكرانيا تتمتع بوضع محايد”. وتتمحور القضايا الرئيسية في المحادثات على حد تقدير ميدينسكي حول وضع شبه جزيرة القرم ودونباس، واللغة الروسية، فضلا عن “عدد من القضايا الإنسانية، بما في ذلك تصفية النهج النازي”.. وحسب قوله من الممكن مناقشة إمكانية عقد اجتماع بين رئيسي روسيا وأوكرانيا، فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي، فقط بعد الموافقة على نص الاتفاقية بين البلدين. موضحا: أولاً، يجب إعداد نص الوثيقة والاتفاق عليها من قبل المفاوضين، ثم يجب التوقيع عليها بالأحرف الأولى من قبل وزيري الخارجية والموافقة عليه من قبل حكومتي البلدين. و “فقط بعد ذلك يكون من المنطقي الحديث عن قمة رؤساء الدول».

ووفقا له، فقد نجحت موسكو وكييف في “تقريب مواقفهما قدر الإمكان” بشأن إحدى النقاط الرئيسية للمفاوضات - موضوع الوضع المحايد لأوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو، ثم “تبدأ التفاصيل الدقيقة” ذات الصلة بالضمانات الأمنية لكييف.

وفي وقت سابق، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن مواقف الوفدين الأوكراني والروسي في المحادثات “تبدو أكثر واقعية”. وأشار رئيس المكتب الرئاسي، ميخائيل بودولاك، إلى وجود تناقضات جوهرية في مواقف الأطراف في الوقت الحالي، ولكن هناك أضًا إمكانية للتسوية.

بدوره قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة مع شبكة RBC إنه في المفاوضات الروسية الأوكرانية، كان هناك أمل في التوصل إلى حل وسط. موضحا “المفاوضات ليست سهلة لأسباب واضحة، ولكن مع ذلك هناك بعض الأمل في التوصل إلى حل وسط. وقدم نفس التقييم بعض ممثلي الوفد الأوكراني. واقترح الوزير لافروف السماح للمفاوضين بالعمل في جو هادئ وعدم إثارة “الهستيريا”، كما تفعل كييف. ويأمل بأن الروح البرجماتية التي اكتسبها الوفد الأوكراني مؤخرا ستجعل من الممكن الاتفاق على موضوع الوضع المحايد لأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، ساعد رفض الناتو على “تهدئة حماس” زيلينسكي، الذي عرض على الحلف إغلاق السماء فوق أوكرانيا والانحياز إلى جانب كييف، على حد قول لافروف. كما قال وزيرة الخارجية الروسية إنه خلال الاجتماع في أنطاليا بتركيا، لم يطرح نظيره الأوكراني دميتري كوليبا أي أفكار جديدة.

ووفقا لتقارير وزارة الدفاع الروسية فان ما تطلق موسكو العملية العسكرية في أوكرانيا تسير بصور مواتية تماما بالنسبة لموسكو. وحسبما صرح به المتحدث الرسمي باسم الوزارة الجنرال إيجور كوناشينكوف، فقد سيطرت القوات المسلحة الروسية على كامل أراضي منطقة خيرسون التي ترتبط جغرافيا بشبه جزيرة القرم. ويشير إلى هذا كذلك تقدم قوات جمهوريتي لوغانسك ودونتسك نحو أفدييفكا، أحد المعاقل الرئيسية لبقايا القوات الأوكرانية بالقرب من دونيتسك، وانها سيطرت حتى الجمعة على 90 بالمائة من أراضي دونباس.

وقال تقرير للمراقب العسكري لصحيفة موسكوفسكي كمسمولسك” إن خطط القوات الروسية في أوكرانيا واضحة وتتمحور حول تدمير المقرات وترسانات الأسلحة، وان المشكلة الرئيسية للقوات المسلحة لأوكرانيا الآن تتمثل بالافتقار إلى القيادة والوقود والذخيرة.

ومع بداية الأسبوع الثالث من العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فقد ظهرت المزيد من المعلومات حول كيفية تحرك قواتنا والأهداف التي تسعى لتحقيقها. وزادت المؤسسة العسكرية الروسية بشكل كبير من حجم المعلومات التي تنشرها بالفيديو حول مسار الأعمال والأسلحة المستخدمة والمعدات التي تخلى عنها الجيش الأوكراني. وعلى ما يبدو، وصل كل شيء الى نهايته المنطقية في شرق أوكرانيا، حيث تركزت القوات الضاربة للجيش الأوكراني. وإنها لا تخطط لاجتياح المدن بهدف السيطرة عليها، بل تدمر بضربات دقيقة مراكز الدفاع ومستودعات الذخيرة والوقود للدبابات والعربات المدرعة في جميع أنحاء أوكرانيا. في الوقت نفسه، تتم السيطرة على طرق النقل الرئيسية من أجل تعطيل إمداد القوات الأوكرانية. في غضون ذلك فقدت القوات المسلحة الأوكرانية أنظمة القيادة والاتصالات وهو المكون الرئيسي لأي جيش كان. إلى ذلك دُمرت المقرات على مختلف المستويات بالصواريخ والضربات الجوية عشرات. وصفيت مراكز القيادة لفرقتي “الشمال” و “ الشرق”، اللتين كان الرئيس زيلينسكي يحب كثيرا زيارتها مرتديا سترة واقية من الرصاص.

وتتعرض المجموعات المحاصرة من القوات المسلحة الأوكرانية لضربات منهجية، وهي محرومة من السيطرة والقدرة على مناورة الاحتياطيات. ولا يوجد لديها مخزون واف من الوقود. ونتيجة لذلك فإن قوات جمهوريتي لوغانسك دونيتسك اللتان انفصلتا من جانب واحد واعترفت بهما روسيا، تحصلان بشكل متزايد على المعدات العسكرية الأوكرانية التي ليس لديها أي إمكانية للتزود بالوقود والذخيرة. ويذكر أن الدبابة التي تشارك في الحرب تحتاج يوميا إعادة تزويدها بالوقود اللازم. ونتيجة لذلك، فإن القوات الأوكرانية المسلحة الضخمة التي يبلغ قوامها 50 ألف فرد، والتي كان بوسعها قبل أسبوعين من السيطرة بالكامل في غضون 2-3 أيام على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، فقدت القيادة المركزية وتفككت وأصبحت محاصرة من عدة جهات ولم تعد وحدة واحدة جاهزة للقتال. كما وجدت الوحدات المحاصرة نفسها بدون اتصالات، محصورة بمحطات الحرب الإلكترونية، بدون طاقة ووقود وطعام، وتتحرك بصورة مستقلة.

وانطلاقا من اسر المزيد والمزيد من مقاتلي القوات المسلحة الأوكرانية، فإن الوضع المعنوي والنفسي في القوات صعب. ومن الواضح من حيث المبدأ ما سيحدث بعد ذلك مع هذه بقايا القوات العسكرية الأوكرانية. وفي ضوء هذا التطور يتوقع للخبراء إنها ستكف عن القتال في القريب العاجل. ومن بين أمور أخرى، يعني أن الجزء الأكبر من قوات لوغانسك دونيتسك، وكذلك القوات الروسية ستكون قادرة، بعد تجديد إمداداتها الأزمة، على مواصلة أداء المهام المرسومة لها.

وحسب معطيات وزارة الدفاع الروسية فقد تم منذ بداية العملية العسكرية، تدمير 196 مركبة جوية بدون طيار و 438 1 دبابة ومركبات قتالية مصفحة أخرى، و 145 قاذفة صواريخ متعددة، و 556 قطعة مدفعية ميدانية ومدافع هاون، فضلا عن 237 1 وحدة من المركبات العسكرية الخاصة.