 ثائر صالح

أدى العدوان الروسي على اوكراينا أواخر شباط إلى سلسلة من ردود الأفعال على صعيد الفنون والموسيقى. فسمعنا عن تفاهة إلغاء كورس دراسي عن دوستويفسكي في جامعة ميلانو - بيكوتشا احتجاجاً على الغزو الروسي، وإعادته بعض أيام،

وهي حادثة اهتمت بها وسائل الإعلام. لكننا سمعنا أيضاً عن إلغاء ديتر رايتر عمدة بلدية مدينة ميونخ الألمانية لعقدها مع قائد الأوركسترا الروسي اللامع فاليري غرغييف (1953) لقيادة فرقة ميونخ الفيلهارمونية بعد احجامه عن إدانة الغزو. خسر غرغييف كذلك إدارة فرقة فربييه الاحتفالية والرئاسة الفخرية لمهرجان أدنبره العالمي.

ويعرف غرغييف بصداقته مع بوتين وتأييده لسلسلة من التدخلات الروسية العسكرية في بلدان الإتحاد السوفييتي السابق مثل احتلال شبه جزيرة القرم في 2014 وقبلها الحرب على جورجيا لدعم انفصال إقليم اوسيتيا الجنوبية في 2008. ومن المعروف أن غرغييف يتحدر من اوسيتيا، وقد قدم حفلاً موسيقياً في اوسيتيا الجنوبية بعد الحرب الروسية الخاطفة على جورجيا. وقدم غرغييف كذلك حفلاً في تدمر بعد تحريرها من داعش سنة 2016 أمام الجنود الروس وعدد من المسؤولين السوريين والصحفيين نقله التلفزيون الحكومي الروسي تخلله بث أفلام تمجد القوات الروسية.

من جهة أخرى أعلنت المغنية السوبرانو الروسية الشهيرة أنّا نتربكو (1971) تعليق أو إلغاء حفلاتها بعد النقد الموجه لها بسبب علاقتها بالرئيس بوتين رغم إدانتها الحرب على أوكرانيا. وقد ذكرت نتربكو على الإنستغرام "إجبار الفنانين أو أي شخصيات عامة على إبداء آراءهم السياسية وإدانة أوطانهم هو أمر ليس صحيحاً. فهذا يجب أن يكون خياراً طوعياً لهم. وأنا، مثل الكثيرين من زملائي، لست شخصية سياسية، ولست خبيرة في السياسة. أنا فنانة وهدفي توحيد الناس عبوراً للانقسامات السياسية".

كما استقال قائد الأوركسترا الألماني المعروف توماس ساندرلنغ (1942) من منصبه كمدير فني وقائد لفرقة نوفوسيبيرسك الفيلهارمونية الروسية في احتجاج على "العدوان الروسي على اوكراينا وعلى الخصوص القصف العنيف للمدن الأوكراينية". علاقة ساندرلنغ بروسيا قوية، فقد ولد في نوفوسيبيرسك ودرس الموسيقى في لنينغراد قبل أن يبدأ دراسته في كلية هانس آيزلر للموسيقى في برلين، عمل بعدها مساعداً لبرنستين وفون كارايان. كانت لديه علاقة شخصية قوية بشوستاكوفيتش الذي طلب منه تقديم سيمفونيتيه الأخيرتين في المانيا الديمقراطية.

سبقه القائد الروسي - البريطاني فاسيلي بترنكو الذي ولد في لنينغراد سنة 1976، وعمل فيها قبل أن ينتقل إلى بريطانيا لقيادة فرقة ليفربول الفيلهارمونية الملكية سنة 2004. فقد أعلن عن وقف كل التزاماته المستقبلية في روسيا، بضمنها منصب المدير الفني لفرقة الدولة الروسية الأكاديمية المسماة باسم القائد الأسطوري يفغيني سفتلانوف، مديناً الاحتلال الروسي لأوكراينا وداعياً إلى استعادة السلام بين البلدين الذين تربطهما وشائج قوية.

وللتذكير، قام 498 من الموسيقيين الروس بتوقيع رسالة مفتوحة احتجاجاً على التطورات السياسية في روسيا صدرت في شباط 2021 بعد الأحداث المرتبطة بتسميم السياسي المعروف نافالني وفضحه عملاء المخابرات الروسية الذين قاموا بتسميمه، وعودته واعتقاله. الرسالة تضمنت مواقف سياسية واضحة: "لا يمكننا أن نظل غير مبالين في وجه الاغتيالات السياسية، وقتل الصحفيين... التظاهرات والتجمعات السلمية محظورة، وأجهزة تنفيذ القانون بأكملها موجه فقط نحو قمع المعارضة واضطهاد الخصوم السياسيين. الضرب الوحشي للمدنيين العزل، وتعذيب المعتقلين، والافتقار التام للرقابة العامة على أجهزة تنفيذ القانون - كل هذا هو الواقع البشع الذي تجد روسيا نفسها فيه في القرن الحادي والعشرين... أوقفوا الإرهاب! نطالب بالإفراج الفوري عن أليكسي نافالني وجميع السجناء السياسيين وبدء حوار مع السياسيين من خارج النظام. كفى سفكاً للدماء".