TOP

جريدة المدى > عام > محمد كاظم..شعر يتساقط من حروفه

محمد كاظم..شعر يتساقط من حروفه

نشر في: 27 مارس, 2022: 12:26 ص

ناجح المعموري

شاعر لديه تجربة هادئة للغاية، يكتب كل ما يراه، لكنه يعيد المشهد ويبني تصوراته بالمقلوب وفي احيان اخرى مثلما يراه الواحد ولحظة ما يجد بأن شعره يتحرك بطاقة نحو الامام ويغامر بزيارة الشاعر ويعقد معه صداقة لينة قبل قطرات الزهر المتخيل عندما يحتاج الشاعر حب الحنين للمكان الذي نقر فيه الغرائبي نغيمات المهاجر بعد لحظات.

وتظل متروكات المرتحل اثار الافرشة والوسائد التي احتضنها الذاهب الى حيث لم يكن له بكل ذلك من قرار هو الذي سيحدد الى اين ؟ محمد كاظم هادئ وليس سهلاً جس هدوءه فالطريق نحو قصائده سالك، عندما تقرأ ما تريد منها، تعقد معك صداقة تترك ملامحها كالآثار التي يلتفت اليها المهاجر وسط مكان لا احد فيه، المكان يودع المغادر والنسوة فيه يلوحن للأمان والخيام التي تعيش وحيدة، لكنها تتحدث مع المرويات العالقة بستائر الخيام الداخلية والتي تتحول ذاكرة لكل من ضيفه المكان والتف به وقت اشتداد عصف الليل الصحراوي وحنين الجسد للاخر. لذا دائماً ما تنعقد صداقات مع الغائب من خلال حضوره الشعري. ولان المحكي لا زمن محدد له، بل هي مفككات دائماً، لكن وحدتها المتراصة، تتضح كتلة واحدة عبر الشفويات الموروثة، حافظة اسماء كبار السن رجلاً ونساء. هذا التجاور والنفي والارتحال كلما ملامح ليست ظاهرة كما هو معروف باليومي بل هي مبرقات وتظل مترددة بين من هو قادر على ان يدب على الاراضي المتباعدة لكن الفرد / الكائن الداخل مع الصوت الشعري وايضا مع الراوي الاكثر حضوراً وسيادة، فهو الاكثر اغتناء وخسارة، لأنه لحظة رحيله لمكان لا يعرفه تفاصيله، لكنه غير مختلف كثير وتكرر تغيرات الامكنة، جعلت من شاعر حساس مثل محمد كاظم اكثر رهافة وهو يختار مكانه الجديد وايضا لحظة الهروب عنه، لان الوحدة في المكان / الصحراء موحدة، وهروب ويتضح الانكسار حلياً في شفويات الشاعر الاكثر وجعاً وانكساراً.

بخطى مرتبكة / ادوس على جثة ايامي / وأنو بثقل السنوات / اشرب من ماء جمرها / واهتدي بمرايا حبرها / لا الطرق التي تفضي الى الظلام / تطفئ لهفتي / ولا الربيع الذي يتخندق / في وديان الصمت / يرش على وجهي بعض غباره / فالحروب علمتني / ان اوشم القلب بفحم الوجع //

في هذا المقطع تصورات تحدثنا عنها، لكنها ليست متضحة، هي حضور الشعر، والشعر حصراً الذي يكتبه محمد كاظم الخسران والنادم على الازمنة كلها، لان الاماكن شر ذمتها ولم يظل منها على الوجع والحنين على صور ورموز نادراً ما تظل متكررة في الاماكن الجديدة.

الشاعر هو الخسران الذي لم يجد غير المتراكم من ايامه ويعتليه حتى ايامه ويتململ تحت ثقل السنوات المتسللة مع عصف الريح والغبار والرمال، الريح طافر مع الريح والخسران قائم، يلتقط جمراته الملاحقة بدمع العيون وكأنها نثيث سماء نعسانه جداً.

خسران وصوت الشاعر متزن، مرن، هادئ، قابل بالذي تمنحه له الازمنة الصغيرة والكبرى التي تلبسها الحروب التي عرفت محمد كاظم ومنحته قطع نجم دون به على الجسد والقلب ما لا يريده من فجائع الشاعر غريب، لانه مرتحل مثلما ذكرت وهذا ما قاله الشعر ويظل مترقباً الايعاز لتوديع متروكات الجماعة على رمال المكان ومواقد الصباحات والليالي، ويدرك محمد كاظم قسوة الهجرة والمغادرة، لذا لم ينسى ذلك.

من اين سأبدأ والمدى يضيق / يطلق صفيراً / يتكرر في بحر صداه وعلى وجعي يستلقي الليل منتظراً ان يرتعش النجم / ليكتوي برحيل، يستفيد خطاه، هنالك بعيداً / بين ظلال تخفي برق السنوات / تئن الازهار على مرأى البحر.

الفرد، كان الممتلك للفضاء الشاسع والمترامي، هو وحده يدرك كيف تنفك الصداقات وتتباعد عن بعضها، حتى مروياتها المتناقلة، تمتد هاربة نحو الذي لم يأت سريعاً، هذا ما قاله محمد كاظم مستعيراً ما ردده ادونيس المختصر لمحنة المرتحل، والمنفي، لان الذاكرة تظل مختزنة كل ما عرفته ورأته.

غادر الشاعر غربته مكرهاً، مستجيباً لضغط الارتحال لكنه يفاجئ بدخوله الى منفى اخر وجديد، ويشكل مع ملظومات الازمنة، زمناً مغايراً بالكامل.

بين سطور مدونته (ويقلب اوراق مواجعه / ليوزع التراب الملتصق / على جدران القلب / يقيناً سيجهز في الليل / على اسفار تتلظى برمال ساخنة//

المرتحل لا يتذكر الا الافراد الذين خضعوا للرحيل ولن يتذكر من تعرف عليهم منذ زمن بعيد، لان فضاء الصحراء الجاذب للحركة حتى لا تظل الصحراء سكوناً وصوتاً خافتاً.

ويبدو بان الشاعر محمد كاظم اطلع على رسالة الجاحظ الشهيرة « مرآة الغريبة «وعرف رمزياتها والتحولات التي تطرأ عليها اذن... اجعل مرآتك ترتوي

من ظلامك الدامس

لتحط بقاياك على ميزان الدهر

وانتظر ماذا ستقول المرآة ؟

التي هزت كل مسافات الذكرى

المرأة البدوية، والانثى المتزوجة تواً تأخذ معها مرآتها لحظة ابتدأ موكب الزوج بالرحيل واكثر الموجودات الحريصة عليها هي « مرآة الغريبة « التي تكثر من استعمالها، لترى وجهها والتغيرات الحاصلة عليها، كما هي الوسيط الذي يرى ويتحدث ويعلن عن الرموز التي عرفتها المرأة بعد زواجها، باختصار شديد لا تقوى المرأة الغربية البقاء في فضاء وحيدة وليس لها مرآتها التي تحدق فيها وترى كل ما طرأ على وجهها، لذا اهتم الجاحظ بهذه الوسيلة التي عاشت لحظات عشق مع الانثى / المرأة وصارت مثلاً، لان المرآة كشاف ترى فيها ما لم تستطع رؤيته من اهلها، لكنها تتخيل رؤية وجوه من تحب وتحد من الغربة والعزلة والاغتراب والقطيعة، لان الانثى لا تتوفر لها فرصة ان ترى من تحب من اهلها ثانية او ثالثة.

في همهمة الروح / من اين سنبدأ خطواتنا ؟

والطرق تؤدي الى ساحات

يؤطرها الندى

فأرى وجهك

حين يصقله النهار / ليأخذني الى حلم / يتشظى في بهو مسائي / وحين يسيل الليل / ويحمل في طياته صراخ الآه / يتدفق ماؤك / ليملأ عشباً يرتعش كل مساء / فانطق باسمك / منتظراً ان تشهق شمس ندائي / ص15//

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram