علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن تقلبات نوابنا "الأعزاء" وهم يدخلون شهرهم الخامس، وخلال هذه الفترة الذهبية التي عاشها العراق، وصل سعر النائب "المستقل" إلى أرقام خيالية تجاوزت المليون دولار عداً ونقداً، ودخلت جيوب النواب الذين يرفضون الاقتراب من قبة البرلمان ، اموال بالملايين ومعها الامتيازات والحمايات، فيما كشّر بعض النواب عن أنيابهم وأعلنوا أنهم لن يهدأوا قبل أن يحصلوا على حصتهم من الكعكة ،
وقد أخبرنا النائب أحمد الجبوري، الشهير بأبو مازن، أن السياسة لا علاقة لها بمصالح الوطن والناس وإنما حسب نظريته الثورية تعني المال والمناصب ، وقد قال لافض فوه " ماكو شي اسمه (لله يامحسنين)". وفي الوقت الذي تتسابق فيه مدن الدوحة ودبي وأبو ظبي في التنمية والإعمار ، تزدهر في البصرة عصابات الجريمة المنظمة وتحتل رئة العراق الاقتصادية المرتبة الأولى بالنزاعات العشائريّة.
الحديث عن ساسة العراق يجلب الهم والغم، ولهذا اسمحوا لجنابي ان يترك الجبوري ورهطه لتجارتهم ، ونستذكر زمناً جميلاً مضى عشناه مع عبد الحليم حافظ الذي مرت أمس "الأربعاء" الذكرى الـ"45" على رحيله، نتذكر المطرب، الذي ملأ ومازال يملأ حياتنا بهجة وسروراً، صوت يحرض على الحب ويزرع الحب وحب الحب. 45 عاماً من الزمن، ولا يزال العندليب الأسمر حاضراً في الذاكرة، كما في القلوب، اسم طاغٍ في مخيلة أكثر من جيل عربي، أغنياته تثير شغف العشاق والمحبين الذين يتذكرون عبد الحليم اليوم، ويتذكرون معه كتيبة الفرح والجمال التي رافقته، من كمال الطويل صانع البهجة في "على قد الشوق"، و"نعم ياحبيبي نعم"، إلى بليغ حمدي المتطرف في الفرح "خايف مرة أحب" ، و"الهوى هوايا"، مروراً بمحمد الموجي مجنون الغرام في "صافيني مرة" و"حبك نار"، إلى منير مراد وهو يرقص على كلمات "أول مرة تحب ياقلبي"، وليس انتهاء برصانة محمد عبد الوهاب في "توبة" و"ضي القناديل".
اخترق الشاب الفقير الحياة الفنية في مصر. وأصر على أن يقارع جميع الكبار، رفضته الجماهير أول مرة عندما صعد على المسرح عام 1952 ليغني صافيني مرة، فلم يكن أحد على استعداد لسماع هذا النوع من الغناء الذي يخلو من الآهات، لكنه يصر على أن يعيدها بعد عام لتصبح أغنية الموسم.
كان عبد الحليم حافظ علامة من علامات الزمن العربي، وعلماً من أعلام هذه الأمة التي استبدلت "صافيني مرة"، بمناهج التكفير، وكلمات الغزل بوصايا جهاد النكاح .
حاولت أن أتجنّب الكتابة عن العندليب في ذكرى رحيله. فعندما أكتب عن هذا الزمن أفقد ضوابط الكتابة، وأعود شاباً هائماً بين القصائد الرقيقة وعبقرية الفرح، بعيدا عن معارك الانتهازية السياسية ، والتي يُرفع فيها شعار ابو مازن " الكعكة للجميع " .