TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: صديق الخطوات الأولى

باليت المدى: صديق الخطوات الأولى

نشر في: 3 إبريل, 2022: 10:18 م

 ستار كاووش

لم أكن قد بدأتُ الدراسة في أكاديمية الفنون، حين تعرفت على صديقي عبد الرحمن رسن، الذي سبقني للدراسة في ذات الأكاديمية، حدثَ لقاؤنا الأول بالمصادفة عن طريق الصديق وحيد أبو الجول في مقهى هادي التي تقع في طرف المنطقة التي كنا نعيش فيها.

هناك سألته إن كان بوسعي زيارته في البيت لأرى لوحاته، وقتها لم يبدِ حماساً للأمر، لكنه دعاني كنوع من المجاملة. قبلَ ذلك كنتٌ قد تعرفتُ على بعض الرسامين في المدرسة، لكني شعرتُ إن مواهبهم كانت أبسط مما أفكر به وأريده من الرسم. لذا كنتُ أبحث عن صديق لديه رؤية شخصية وموهبة مختلفة. في ذلك اللقاء الأول مع صديقي، أتذكر كيف دخلتُ غرفته الصغيرة المليئة باللوحات. ولازالت ماثلة أمامي تلك اللحظة التي ذهبَ فيها لجلب أقداح الشاي، فيما أنا أتنقل بين اللوحات، ثم أقف أمام لوحة متوسطة الحجم، كانت تُعلق وسط الغرفة، حتى سمعته يقول لي وهو يمسك أقداح الشاي (هذه اللوحة إسمها الأصدقاء) وفيها رسم نفسه مع صديقيه محمد جبار وطالب صبحي، كانت لوحة تعبيرية فيها تحريف للأشكال حيث يختبيء الثلاثة تحت مظلة. وقتها كانت لدي إهتمامات فنية متقاربة معه بعض الشيء من خلال الكتب الفنية التي أحصل عليها من هنا وهناك، لذا إستهواني ما يقوم به صديقي الجديد. وحين بدأتُ دراستي في الأكاديمية، كان عبد الرحمن رسن واحداً من أفضل الرسامين فيها، بل ربما لا أبالغ إن قلت بأنه كان أفضل طالب يدرس الفن، شاب يتمتع بموهبة وحساسية عالية وشغف بالحداثة والأشكال التي تعبر عن دواخل الانسان. كانت معالجاته فيها مرونة وهو يجرب ويتنقل بين مناخات فرانسيس بيكون وزخرفة غوغان، وقتها كنتُ معجباً بتقنية فنسنت فان خوخ، وكنا في غرفته نتحدث عن الرسم حين إلتفت نحوي بطريقته الهادئة قائلاً (رغم الحساسية العالية التي يتمتع بها فنسنت في اللون، لكن غوغان شيء مختلف انه باهر في معاجاته اللونية ولديه حساسية من نوع خاص) في تلك اللحظة شعرتُ كم أنا بحاجة الى صديق مثله، يتحدث عن الرسم بهذه الطريقة، كنت أريد رساماً مثلي يعرف هؤلاء الأبطال الذين ذهبوا وتركوا لنا هذه الكنوز التي مازلنا نتعلم منها. وهكذا توطدت علاقتي أكثر بصديقي عبد الرحمن رسن أثناء وبعد دخولي الأكاديمية، وبدأت مشاركاتنا الصغيرة في المعارض هنا وهناك، وأهمها المشاركة في معرض الشباب الذي أقيم سنة ١٩٨٥ في متحف كولبنكيان، ثم مهرجانات الواسطي ومعارض الفن الأخرى، حيث أخذ عبد الرحمن يقترب أكثر من تأثيرات فرانسيس بيكون، بينما ركبتُ أنا القطار الذاهب للتعبيريين الألمان. ومن خلال الصداقة التي جمعتنا، تعرفتُ على محمد جبار وطالب صبحي وجبار عبد الرضا، وهؤلاء كانوا برأيي الأفضل بين طلبة الأكاديمية في سنوات الثمانينيات من ناحية أعمالهم وشخصياتهم التي تذكرني بالفنانين البوهيميين في مدرسة باريس. وهكذا جَمَعَتْ أكاديمية فنون بغداد في تلك السنوات مواهب من الصعب أن تتكرر مرة أخرى، وقد إنسجمتُ معهم بسهولة وكنا نبحثُ عن ما يطور مواهبنا ويمنحنا مساحات جديدة عن طريق الإهتمام بالثقافة الشخصية أو إكتشاف تقنيات ومعالجات مبتكرة.

تجددت اللقاءات والزيارات بيني وبين عبد الرحمن وسط حوارات حول التقنيات وتحريف الأشكال وعدم محاكاة الطبيعة، تأثرنا ببعضنا هنا وهناك وتعلمنا إن الفن يسع الجميع ويحمل الكثير من الأبواب المفتوحة التي يمكنها ان تؤدي بنا الى طرق مختلفة لكنها مناسبة للوصول الى الأهداف. تواصلت الصداقة بين لقاءات وإنقطاعات، معرض هنا ومشاركة هناك، ليشق كل واحد طريقه بما يتناسب وظروفه وأهدافه الشخصية، وقد سافرت من العراق قبل ٢٨ سنة وعرضت لوحاتي في الكثير من الغاليريهات والمتاحف لكن تلك الصداقة بقيت نقطة مضيئة في حياتي. ومن خلال سهولة التواصل بين الناس في السنوات الأخيرة، عاد التواصل مع صديقي القديم، وتجددت التقاربات، وعادت بعض التفاصيل، شيء يفرحكَ ويسعدكَ أن تجد صديق من هذا النوع بعد إنقطاع طويل، فالصداقات الحقيقية لا تصدأ كما يقول الهولنديون. والأمر الذي أسعدني حقاً، هو إقامة صديقي عبد الرحمن معرضاً شخصياً جديداً في بغداد بعد توقف وإنقطاعات بسبب ظروف البلد، وقد تابعت تفاصيل المعرض على الميديا والانترنيت، هذا المعرض الجميل هو المناسبة التي أردتها لكتابة هذه الكلمات لصديق عرفتهُ وعرفتُ شغفه بالفن وتلك الروح التي يملكها، وسعدتُ حقاً حين رأيته يحرك جناحيه من جديد، محلقاً في فضاء الفن. تحية لصديقي عبد الرحمن رسن الذي كان أول فنان حقيقي تعرفتُ عليه وشاركني خطوات وتفاصيل جميلة ورائعة، هذا المبدع الذي كان صديقي… وسيبقى بالتأكيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram