TOP

جريدة المدى > عام > فليحة حسن: لا أستطيع الكتابة سوى عن الحرب التي عشتُ تفاصيلها المرعبة

فليحة حسن: لا أستطيع الكتابة سوى عن الحرب التي عشتُ تفاصيلها المرعبة

نشر في: 11 إبريل, 2022: 11:14 م

أول امرأة في النجف تنشر كتاباً شعرياً وكتاباً للأطفال

حاورها/ علاء المفرجي

ولدت الشاعرة والكاتبة العراقية فليحة حسن في النجف ، و حاصلة على ماجستير لغة عربية.

وهي عضو مؤسس لمنتدى الأدباء الشباب في النجف و مديرة تحرير مجلة (بانيقيا) الصادرة عن اتحاد أدباء النجف. كما أنها عضو الهيئة الإدارية في اتحاد أدباء النجف وعضو رابطة نازك الملائكة. كتب عنها ما يناهزالمائة وواحد من الأدباء والدارسين، وقد جمعت بعض هذه الدراسات في كتاب (النجف الاشرف أدباؤها وكتابها وشعراؤها لعبد الرضا فرهود). كما وكتب عنها في (مستدرك شعراء الغري). ترجمت قصائدها إلى اللغات الانجليزية والكردية والاسبانية والبوسيفية والايطالية، ونشرت في المجلات والدوريات والصحف العراقية والعربية والعالمية. شاركت في أغلب المهرجانات الأدبية العراقية كالمربد والسياب والجواهري ، كما وشاركت في مؤتمرات أدبية وثقافية، في بغداد والبصرة بابل والكوفة. غادرت العراق إلى إسكيشهير في تركيا، ثم إلى مدينة أخرى وهناك عملت مع مكتب الأمم المتحدة في أنقرة، ثم أستقرت في نيوجرسي في الولايات المتحدة .

تعد فليحة حسن احد الاصوات الشعرية المهمة في جيل التسعينيات، ومن ابرز ما انتجت: لأنني فتاة، زيارة لمتحف الظل،

خمسة عناوين لصديقي البحر، ولو بعد حين، مجموعة شعرية للأطفال (حارس الأحلام) صدرت عن دار ثقافة الأطفال. وقم حمره، ورواية بعنوان بعيداَ عن العنكبوت.

 حدثينا عن المؤثرات التي قادت خطاك الى الادب منذ النشأة الاولى.؟

- يعود تعلقي بالأدب الى ما بذرته بداخلي حكايات الأجداد عن الجان ومغامرات السندباد التي كنتُ استمع إليها متى ما كان باستطاعتهم قصّها لي كهدية مسائية، بعدها صرتُ كلما صحوتُ من نومي وجدتُ الى جانب وسادتي قلماً وورقة مدوّن عليها بعض الجمل التي يمكنني الآن أن اسميها جملاً شعرية ، وربما أيضاً يعود السبب في ذلك الى الهدية التي حصلتُ عليها من أبي كمكافأة لتفوقي ونجاحي الى المرحلة المتوسطة والتي كانت مجموعة نزار قباني الشعرية (قالتْ لي السمراء)، وحينها ولدتْ أول قصائدي أمنية: (كان بودي أن آتيكَ، لكن شوارعنا حمراء، وأنا لا أملكُ إلا ثوبي الأبيض ؛)

 خضت تجربة خاصة في الخروج من العراق، هل وثق نتاجك هذه التجربة، حدثينا عن هذه التجربة واثرها في مسيرتك؟

- من طبيعتي حين الكتابة إنني ومهما اجتهدتُ في المحاولة لا أستطيع أن أكتب شيئاً مالم أكن قد خبرته حياتياً، كوني بالكتابة وحدها أشفى، لذا فإن مفردات الغربة والحنين الى الوطن والوحدة، هي المفردات التي لما تزل تطغى على قاموسي الشعري كنتيجة لما عشته من تجربة الاغتراب عن الوطن، فأنا لا أستطيع الشروع بالكتابة عن أيما موضوع إلا وتنزُّ تلك الكلمات من ذاكرتي وتتناثر على وجه قصيدتي الصافي كالنمش على خدّ الحسناء، (أبداً لم يسألنا الربُّ حين ألقى بذاره فيها وقال: كونوا / فكنّا، أطفالاً نلّثغ بهمس البيوت الغافية، نركض صوب المدارس محاطين بأدعية الأمهات خشية كلَّ شيء !، غير إن مديرة المدرسة اختصرتْ حيواتنا جميعاً بجملتها الخانقة: " سنعود بعد أن تنتهي الحرب.....بعد عشرة أيام فقط "، قالتها "نازنين" بلكنتها الكردية، وظلّلنا نحن الطلاب المجتمعين في ساحة الاصطفاف، فاغري الروح دهشة وخوفاً، استطالتْ الأيام وصارتْ سنيناً، تفرقنا......البنين الى ساحة الثرم، والبنات الى دكة الانتظار، لم يعودوا أبداً أصدقائي،جمعتْ بقاياهُم صناديق خشب مزينة بثقوب الفراق !)

 يبدو لي أن البيئة/المكان، الذي نهل منه الجواهري والحصيري.. واخرون، كان سببا في ان يتلبسك شيطان الشعر.. وأشير هنا انك أول امرأة في النجف تنشر كتابًا شعريًا، وأول امرأة في العراق تنشرُ كتابًا شعريًا للأطفال..ما تعليقك على ذلك.؟

- أنا أعترف بإن مدينتي التي ولدتُ بها (النجف) كانت لها تأثير كبير في بناء شخصيتي الأدبية، ففي مكتباتها تعرفتُ على أمهات الكتب ومضانها، ونهلتُ من رحيق ابداعات مؤلفيها القدامى، وأكون جاحدة فعلاً إذا ما أنكرتُ فضل تلك المدينة الأسطورية في بناء شاعريتي، كما إن للجلسات الأدبية والأمسيات الثقافية التي كنتُ أحضرها أسبوعياً في اتحاد الأدباء آنذاك فضل أيضاً في التعرف على كل ما هو جديد من المطبوعات أو المنشورات، فقد كانت عناوين الكتب الجديدة، والمقالات النقدية المهمة تتسرب إليَّ من خلال الاحاديث والمناقشات التي كانت تجري بين الادباء ومحبي الادب الذين كانوا يحضرون تلك الجلسات آنذاك، أما كوّني أول أمرأة تصدر لها مجموعة شعرية في النجف فهذه حقيقة مهمة لا يمكن أن تُنكر، فبكل بساطة لم تصدر في النجف مجموعة شعرية لشاعرة - وخلال ربع قرن – قبل مجموعتي الشعرية (لأنني فتاة) التي صدرتْ في عام 1991، دونتُ بها بعض اسئلتي وشيء من أسراري على شكل ومضات: (كل صباح تسبقني قدمي للباب، تنوي الهرب، الى أين وأنا مربوط بالعتبة؟)، (وأنا أصعدُ سلّم داري، أسألهُ في كنّه قراري، أكلُّ هذا العلو ويوجد من يدوسُ عليك؟)، (سرق البحر دموعي ولذلك صار كبيراً). أما مجموعتي الشعرية للأطفال (حارس الاحلام)، فقد بقيتُ أنتظر صدورها لأكثر من عام، حتى ولدتُ في عام 2012، لتدوّن أسمي كأول شاعرة عراقية تصدر مجموعة شعرية للأطفال، وبهذا صدح صوتي الطفولي عالياً ليغني: (أرجوك يا صديق، لوحدكَ، لا تكمل الطريق، فلا تراد جنة، ليس بها رفيق !)

 انت من جيل جبل من مأساة الحروب والحصار، والقمع السلطوي.. ما أثر ذلك قي نتاجك الابداعي. وما الذي يلتقي عنده جيل التسعينات وبماذا يفترق.؟

- ولهذا ربما لا أستطيع الكتابة سوى عن الحرب التي عشتُ تفاصيلها المرعبة ولسنوات فقد كان من العادي جداً أن يبدأ يومنا بصوت صافرة إنذار لغارة صباحية، وينتهي بأخرى مثلها مسائية، فإذا ما أمكننا الخروج من بيوتنا، فأول ما تقع عليه أبصارنا في الشوارع اليافطات السود التي كانت تضجُ بأسماء الراحلين وأماكن استشهادهم، فلما انتهتْ شراسة تلك الحروب، جاء الحصار ليأكلنا وبضراوة أيضاً،ومع كل ما عشناه من قمع حافظنا على جمالية حروفنا ورهافة حسها، وبصراحة جيل التسعينات في العراق لا يفترق عن الأجيال الشعرية الأخرى بشيء سوى إنه جيل كتب الموت والجوع والخوف شعراً. أجل (كنّا، ومثل ليال فقدتْ مصابيحها، نتسربلُ باليأس، مخضرمو حروب، ننتقل بين صفعات التاريخ، دونما بارقة نصر، مدمنو منافي، نتقافز بين الشظايا، لا أرضنا لنا، ولا دماؤنا، تتأرجحُ أقدارنا بين أصابع الكبار، جنوبيون منشغلون بتهيئة أعمارنا للرحيل، مزاداتنا سنوات مفقودة، وعصاً ورّثها الخريف أسماءنا، تستعمرنا الأوهام، بدلاً من الأشجار الموشية بالربيع ؛)

 الشعر، والرواية، والقصة، والمسرحية.. هل هي اقنعة يتخفى وجهك خلفها، ام تراها منافذ للتعبير عندما تفتقدين وسائلك؟ ايهم تجدين فيه فردوسك الشعر أم القصة؟

- إذا أمكنني تقسيم الغايات التي تكمن وراء تنوع كتاباتي فاسمح لي أن أقول، بكتابة الشعر أحاول الشفاء من ذاكرة مثقلة بأنهار الدم، وصدى صرخات الجوع، أما النثر ببقية اشكاله فقد نما في داخلي كردة فعل لأدماني على قراءة الروايات التي وصل هوسي بها حدّ إنني كنتُ في أيام الحصار أستعير بعضها وأعيد نقلها باليد في دفاتري المدرسية، فأنا الى الآن أحتفظ بدفاتر عديدة من فئة المائة ورقة تحمل بين طياتها روايات، وهي روايات ليست بالقصيرة، وكذلك أجدني في كثير من الأحيان أتذكر تفاصيل دقيقة من بعض الروايات التي أحببتها كرواية (مملكة هذا العالم، اليخو كاربنتيه) ورواية (النفق ارنستو ساباتو) ورواية (الحبل، لإسماعيل فهد إسماعيل)، نعم ربما تكون قراءتي المتواصلة للروايات هي من أسهمتْ في صقل موهبة كتابة النثر لديَّ، لكن هذا لا يعني إنني أنسج على منوال الاخرين، أو أحذو حذوهم في ذلك، فأنا والحمد لله لي طريقتي الخاصة في كتابة الرواية و قد أشار البروفسور عبد الاله إليها في مقدمة روايتي (نمش ماي) حين قال: (نمش ماي، مغامرة إبداعية جريئة في المتن الروائي واشتراطاته واللغة ومحمولاتها ! والشفرة وابجدياتها بما يطمئنني انني قبالة ميلاد عصر الرواية القصيرة جداً وان لفليحة شأنا في تنضيج هذا الفن)، وبذلك لا يمكن لأحد أن يرى أن ولادة النثر لديّ باختلافه من قصة، مسرح، رواية وحتى نقد أدبي كان قد جاء نتيجة لفقدان أو خلل أصاب وسائل التعبير الشعرية لديَّ.

 الا تلاحظين قلة اعداد الاديبات العراقيات الموجودات على الساحة الثقافية الان، هل السبب اجتماعي أم أن طريق الابداع تكتنفه الكثير من المصاعب؟

- بالتأكيد تلعب الظروف الاجتماعية دورها المقيت في تقليل عدد الشاعرات العراقيات بالمقارنة مع اقرانهنَّ العربيات والغربيات، فالشاعرة العراقية تعيش معاناة محاكاة التجربة مرتين، مرة حين تصورها ابداعياً،ومرة أخرى حين تحاول البوح بها، فتجد في طريقها الكثير ممن يسعى بكل ما أوتي من بغض وحسد وحقد لصدّها ومنعها من ذلك البوح، فليس كل النساء العراقيات مولودات في بيوت متسامحة مع فكر الانثى وخطورة صوتها، وأنا أعرف العديد من الشعراء والأدباء الذين يصرحون وبإسهاب عن حرية فكر المرأة في وسائل الأعلام المسموعة والمرئية والمقروءة يومياً، وفي نفس الوقت يقفون بالضدّ من كتابة أي أمرأة تربطهم بها صلة قربى، ولا أنسى الى الآن جملة أحد الشعراء حين سألته عن سبب منع أخته من كتابة الشعر وهي موهوبة فعلاً فأجابني بكل بساطة: (الشعر غناء، وأنا لا أرضى أن أصبح أخاً لمغنية) متناسياً أن من كانت تتحدثُ إليه حينها شاعرة، ولقد مررتُ بالكثير من تلك التجارب التي عملتْ بجد على تعطيل مسيرتي الإبداعية لكنني نجوتُ منها حينما صدقتُ بنفسي وآمنتُ بموهبتي، فعلى سبيل المثال لا الحصر حين تمتْ طباعة مجموعتي الشعرية الأولى (لأنني فتاة) وأراد الأستاذ الشاعر مهدي هادي شعلان الاحتفال بتوقيعها كونه الناشر لهذه المجموعة، أتذكر جيداً كيف رفع أحد الشعراء بيده هذه المجموعة وأخذ يلوح بها عالياً أمام أنظار الحضور الذي اكتظتْ بهم القاعة يومها وهو يصيح بصوت جهوري: (هذه المجموعة سبة على الشعر النجفي، بل سبة على مدينة النجف كلها) ولا أدري هل أن ذلك الأستاذ الشاعر كان قد قرأ المجموعة، أم أنه أكتفى منها بالنظر الى صورة وجه الفتاة غير المحجبة المرسومة على غلافها الأحمر؟، وفي رأيي إن الشاعرة رائية ودالة، رافضة، ومستهجِنة لا مُهجنة، وهذا كلّه يتطلب منها الكثير من الشجاعة والتحلي بالصبر، كما وإن خطاب الشاعرة الحقيقية خطاب جلل لا يستهان بمنشئه،ولا بدقائق تفصيلاته.

 ما هو الأثر الذي تركته الغربة في نتاجك الابداعي، وهل استطاعت ان تختلق نهجا معينا على الادباء الذين اغتربوا.

- ليس مفهوم الغربة بجديد على المبدع، فهم يشعر باغترابه عمَنْ يحيطون به من اللحظة الأولى التي يولد فيها نصه الحقيقي، فيكون ذلك النص بمثابة المفتاح الذي يُقصيه عن ما كان يؤلفه سابقاً ويفرح به، ويصبح وكإن النبي سليمان عليه السلام قد أصدر عليه حكماً بالعيش مع غير بني جنسه لا على الهدهد، فإذا ما شاءتْ الاقدار لذلك المبدع واغترب عن ربوع بلاده التي ولد وترعرع فيها، تراكمتْ عليه جبال غربته فضجتْ روحه بحنينها، وصار كلما كتب جملة شفتْ الغربة من نسيجها، وأنا واحدة من هؤلاء الشعراء الذين يعيشون غربتهم المركبة، ولا يستطيعون الفرار منها حتى في قصائد الحب التي يكتبونها (اتذكرنا قبل أربعين عاماً، أطفالاً جداً، بملابس وقلوب ملونة، تكفينا تلويحه بالون، كي نغرق في الضحك، أتذكرُ كلّ هذا يومياً، وأتدربُ على غربتي!)

 أظن ان النقد ظلمك كثيرا، بتقديرك مالسبب في ذلك؟ وها ترين ان الاديب بحاجة الى مؤسسة خاصة بتسويق نتاجه الابداعي؟

- كلمة الظلم لها وقع ثقيل في النفس، وأنا شخصياً لا يمكنني أن أقول أن النقد الحقيقي قد ظلمني أو تجاهل فرادة كتاباتي، بل ما تجاهلتني هي الكتابات الآنية غير الراسخة، الكتابات التي تفتقر الى أرضية واعية يمكن الاستناد عليها أو الاحتكام عليها عند تحليل النص، بدليل أن الأقلام النقدية الواعية والمهمة قد تناولتْ مجاميعي الشعرية والنثرية بالبحث والدراسة فقد كُتبتْ عني عشرات المقالات التي نُشرتْ في الصحف والمجالات العراقية والعربية فعلى سبيل المثال لا الحصر كتب الناقد الدكتور حاتم الصكَر في كتابه "بريد بغداد “قائلاً: (تمتلك وعياً مغايراً يرتب على الدارسين فحص خطابه وفهرسته أنثوياً بجدارة لأنه يرى الأشياء والعالم، والآخر بزاوية مختلفة)، كما صرح الناقد الأستاذ ياسين النصير في مقاله " أقرأوا الشاعرة فليحة حسن" يقول عن مجموعتي "زيارة لمتحف الظل" (الشاعرة فليحة حسن تستعير المتحفية والظلال القديمة كأرضية تفرش عليها وسائدها، لكنها تمزج بين أفلاطون في رؤياه المثالية والميثولوجيا الإسلامية في رؤياها الدينية، وهذه نقلة جديدة في استثمار الميثولوجيا في الشعر عندما لا تقدم الشاعرة الميثولوجيا كحدث مستقل- الحركة الأولى للحداثة-، وعندما لا تستثمرها كدالة على وضع- الحركة الثانية للحداثة- بل تجعل منها صوراً جديدة، مستله من أحداث واقعنا وما جرى لنا في الحروب، فالشاعرة لا تستعيد ميثولوجيا، بل تولد ميثولوجيا عراقية جديدة)، ومجموعتي الأخيرة التي صدرتْ عن الاتحاد العام للأدباء في العراق (وأنا أشرب الشاي في نيوجرسي) كُتب عنها العديد من المقالات المهمة.

 تحضرني دائما قصيدتك (أنا لست مريم يا أبي) حدثيني عن ظرف كتابتها، لماذا هذا الرمز الديني؟ وما وجه الصلة مع قصيدة محمود درويش (أنا يوسف يا أبي).

- ربما من الأفضل لي كردٍ على هذا السؤال أن أُحيلك الى المقال الذي كتبه الأستاذ " وديع العبيدي" والمعنون " أنا لست مريم يا أبي، المقارَبة والاختلاف " فأنا أتفق معه في الرأي الذي طرحه في هذا المقال والذي جاء في بعض منه (ثمة رعب مكتوم تختزنه عبارة (أنا لستُ مريم يا أبي!)، رعب يتجاوز الورقة والنص والجملة الشعرية إلى تلافيف واقع تاريخي مرتبك، تصوغه الشائعة المغرضة، وليس الحقيقة المخلصة، فإذ مثل التاريخ إطارا لحركة الصراع الداخلي بمستوياته الاقتصادية والاجتماعية المعدّة، فأنه يفرز بطولات وفرائس. التاريخ هنا هو الشائعة (الشفاهية) تحديدا، والفريسة هي الأنثى/ المرأة، وحجم الرعب المخزون في العبارة يترجم حجم القسوة والوحشية المضادّة، وجملة "أنا لست مريم يا أبي"، تختلف تماما عن جملة "أنا يوسف يا أبي"، رغم ما يبدو بينهما من تقارب بنيوي أو انتماء لعائلة لغوية واحدة.)

 نلت العديد من الجوائز الادبية في العراق وخارجه.. كيف تنظر فليحة حسن للجوائز، وهل تسهم في تدعيم الوعي الادبي، أم تراها تشيع نوعا الكتابة السريعة..؟

- للجائزة فائدة نفعية واحدة إذا ما استبعدنا عنها منفعتها المادية، وهي إنها تقدمك الى جمهور أوسع، بمعنى إنها تسهم بطريقة وبأخرى في انتشار ذلك المبدع وتجعل القارئ يسعى جاهداً للحصول على نتاجه، لكن هذا لا يعني أنني كتبتُ سابقاً أو أكتب الآن من أجل الجائزة، أو إن الجوائز تشكل حافزاً عندي في الكتابة مطلقاً، ولا أخفيكَ سراً إنني ومنذ مدة ليستْ بالقصيرة أشعر برغبة شديدة بعدم المشاركة في الجوائز الأدبية والمسابقات، وذلك لأن أغلب تلك الجوائز تتسم بعدم المصداقية، كما أن الثقة تغيب عن أغلب محكميها أو المشرفين عليها. وفي حقيقة الامر ان جائزتي الحقيقية تكمن في سماع مقطعاً من نص لي يردده قارئ متابع، أو مشاركة أحد القراء معي لما أختلج في داخله من مشاعر بعد أن قرأ أو أستمع لواحد من نصوصي، بصراحة هذا ما يشكل عندي فوز حقيقي.

 كيف تنظرين الى المشهد الثقافي العراقي حيث وجد المثقف العراقي نفسه أمام هامش من الحرية لم يعهده سابقاً لكنه أحس بالأسى والإحباط بسبب ما جرته السنوات اللاحقة؟

- بحسب ما اتابعه على مواقع التواصل الاجتماعي وما أقرأه في الصحف والمجلات العراقية الأدبية على الانترنيت، ومنذ أعوام أن الشاعر العراقي بات يتمتع بحيز كبير من حرية التعبير، فهو يكتب في كل الموضوعات وبالطريقة التي يرغب بها، وحتى السياسة ورموزها لم تعد واحدة من التابوات المحرمة على قلمه، والشاعر بهذا يحاول أن يستعيد مكانته القديمة ووظيفته التي وكلتْ به، كونه لسان حال الناس، والمعبر عن أحوالهم، لكن من الظواهر التي يمكننا أن نلاحظها بوضوح أيضاً هي أنه وبالرغم من تصدر قصيدة النثر للمشهد الشعري العراقي، وكثرة من يجيد كتابتها من الشعراء، إلا أن المهرجانات التي تُقام الآن تحاول أن تعيد القصيدة العمودية الى الصدارة والواجهة من جديد باستدراج شعراء قصيدة النثر وحثهم على كتابة القصيدة العمودية لإلقائها في تلك المهرجانات.

 ما الذي يشغل فليحة حسن؟ وهل هناك مشاريع جديدة؟

- الكتابة بأنواعها تبقى شغلي الشاغل، فبعد أيام سيظهر كتابي الخامس والعشرين والمعنون (أنا والحرب) الى النور وسيكون متاحاً على موقع الأمزون والذي تطلب ظهوره عامين الأول للكتابة والأخر للترجمة الى اللغة الإنكليزية، كما إنني انتهيتُ من إعداد مجموعة شعرية كتبتها باللغة الإنكليزية سأقدمها قريباً لأحدى الجامعات هنا للنشر، وإنني شرعتُ بكتابة رواية لم أضع لها عنواناً بعد، أعتقد إنها ستأخذ مني عاماً آخراً حتى تنضج. وقبل هذا كله فأنا لما أزل اتمتع بشهية كبيرة للقراءة وهذا أمر أحمد لله عليه كثيراً، فلولا القراءة لنضب خزيني المعرفي والفكري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram