بغداد/ تميم الحسن
تتهاوى الحلول للخروج من الازمة السياسية، فيما تتصاعد القناعات حول فكرة اعادة الانتخابات او تعديل الدستور. ومنذ أكثر من اسبوع وصلت قضية تشكيل حكومة جديدة الى مرحلة "الانغلاق التام"، بعد ابتعاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عن صورة الاحداث.
ويملك "الصدر" صاحب اعلى المقاعد في البرلمان (74 نائبا)، خيوط اللعبة مع شركائه في تحالف انقاذ وطن الذين يسيطرون لوحدهم على نحو 60% من مجلس النواب.
ويحاول بالمقابل "الإطار التنسيقي" الشيعي، المضي في أكثر من اتجاه لتفكيك الازمة، وتلاحق بعض اطرافه، اتهامات بسلوك طرق "مريبة" لتخطي الازمة.
ويتطلب للمضي بتشكيل الحكومة، بعد انتخاب رئيس البرلمان في مطلع العام الحالي، بعد نحو 4 أشهر من الانتخابات التي جرت في الخريف الماضي، اختيار رئيس جمهورية.
ووفق المادة 76 في الدستور، فان رئيس الجمهورية (عقب انتخابه) يكلف مرشح الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة.
لكن بحسب اخر تفسير للمحكمة الاتحادية، فأنها قد اشترطت لتحقق انتخاب "الرئيس" وجود نصاب في الجلسة لا يقل عن ثلثي اعضاء البرلمان البالغ 329.
ومنذ ذلك الحين، انشطر البرلمان الى 3 جهات غير متساوية من حيث عدد المقاعد: الصدر وحلفاؤه (تحالف سيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني) ويمثلون على الاقل 180 مقعداً.
والثاني هو الإطار التنسيقي (ائتلاف دولة القانون، الفتح، وقوى صغيرة شيعية) ولديهم بين 80 الى 83 مقعداً.
اما الجزء الثالث والذي يتراوح بين 60 و65 مقعدا، فهم منقسمون الى عدة أطراف، من بينها احزاب معروفة ودخلت في تحالف غير رسمي مع "التنسيقي"، مثل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعداً)، وجزء من القوى السنية وهم تحالف "عزم" (12 مقعداً) الذي انشق عن تحالف سيادة.
كذلك في القسم الاخير هناك ما بات يطلق عليهم بـ "الفئة المحايدة"، وهؤلاء يمثلون أكثر من 30 مقعداً، ومن بينهم نواب مستقلون، واحزاب جديدة مثل اشراقة كانون (6 مقاعد)، وتحالف من اجل الشعب (18 مقعداً) ويتكون من حركتي امتداد والجيل الجديد.
ولأسباب مختلفة انضمت أطراف من القسم الثالث الى "التنسيقي"، ليتكون لأول مرة منذ 2003، ما بات يعرف بـ "الثلث المعطل"، الذي ولد على يد قرار المحكمة الاتحادية الاخير الخاص بنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
ومجموعة التعطيل، التي فاقت الـ 110 مقاعد (وهو اقل عدد مقاعد لإيقاف اي جلسة مهمة)، استطاعت افشال 3 جلسات خصصت لانتخاب رئيس الجمهورية.
و"الثلث المعطل"، هو نسخة من "الثلث الضامن" في لبنان، والذي تمثله في العادة الاطراف السياسية المقربة من طهران، واللافت ان الجزء المقاطع من القوى الشيعية في العراق بات مؤخرا يستخدم نفس الاسم اللبناني، للتخفيف من وظيفة هذا الاجراء.
وعلى ضوء تلك التحديات، تشير المصادر السياسية، الى ان هناك "نضوجا في فكرة حل البرلمان واعادة الانتخابات كنتيجة للإجراء الاول، وتعديل الدستور".
وكان رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، قد دعا في وقت سابق الى تعديل أكثر من مادة في الدستور، تتعلق بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتل الاكثر عددا.
كما كتب زيدان في وقت سابق مقالة، تحدث فيها عن آليات حل البرلمان، والتي تشترط قبول اغلبية البرلمان، وهو ما قد يعيد مشكلة "الثلثين" الى الواجهة مرة اخرى.
وكتب القيادي في "السيادة" مشعان الجبوري، اول من أمس، على موقع "توتير": "إننا ندرك الأعباء الكبيرة التي ستترتب على مفوضية الانتخابات وعموم الدولة لو صوت البرلمان على حل نفسه والدعوة لانتخابات جديدة".
واضاف الجبوري: "أن حديثنا عنها ليس مناورة أو من فراغ لكنها الخيار الذي لابد منه إذا استمر الانسداد السياسي".
وكان النائب قد تحدث قبل ذلك بـ 3 ايام عن أن تحالف "انقاذ الوطن" الذي ينتمي اليه، يستطيع حل مجلس النواب وإعادة الانتخابات.
وكتب الجبوري في تغريدة على "تويتر" ان "تحالف "انقاذ وطن" يمتلك اغلبية مريحة تمكنه من حل مجلس النواب واعادة الانتخابات متى اراد ذلك".
وكان رئيس الجمهورية برهم صالح، قال قبل ايام، إن استمرار الأزمة السياسية حول تشكيل الحكومة سيقود البلاد إلى "متاهات خطيرة".
شطارة الصدر !
ومع "الشطارة السياسية"، بحسب وصف رئيس هيئة الحشد فالح الفياض لمهلة "الصدر" للقوى الشيعية الاخرى لتشكيل حكومة دون تياره، دخلت الازمة في مطب كبير.
وقرر زعيم التيار مطلع الاسبوع الماضي، "الاعتكاف السياسي" مدة 40 يوماً، بدأت منذ اول رمضان الى ما بعد عطلة العيد.
وبحسب ما يرشح من القوى السياسية، فان "انسحاب الصدر المؤقت" من مشهد التفاوضات، هو "مأزق وضع داخله الإطار التنسيقي الذي لن يتمكن لوحده من تشكيل حكومة".
وتحرك "الاطاريون" خلال الازمة السياسية بثلاثة اتجاهات: قانوني، سياسي، اضافة الى اتهامات بالتورط في حوادث امنية.
ابتداء تمكن "التنسيقي" وشركاؤه، من انتزاع التفسير الشهير للمحكمة الاتحادية الذي تشكل فيما بعد وفقه "الثلث المعطل"، واقصاء هوشيار زيباري، أبرز مرشحي الرئاسة من التنافس، ومنع "كردستان" من تصدير النفط.
اما الشق الاخر وهو السياسي، فان جزءا منه يتداخل مع التحرك القانوني، وهو ما يتم تداوله حول قرب تسوية القيادي السني رافع العيساوي كل الدعاوى القضائية السابقة.
وظهر العيساوي، المختفي عن المشهد السياسي منذ تظاهرات المناطق الغربية في 2013 وانتشار "داعش" بعد ذلك، في احتفالات في الانبار لحظة إطلاق سراحه.
ورغم ان القضاء أكد في بيان أمس، بأن "العيساوي"، مازالت امامه قضايا اخرى لم تتم تبرئته منها، الا ان هذا لم يمنع من استخدام القضية لمحاربة ضرب أطراف "التحالف الثلاثي".
العيساوي وكان نائب رئيس الوزراء وزير المالية في حكومة نوري المالكي، نشر صورا له عقب إطلاق سراحه المزعوم، وهو مع جزء من القوى السنية المنشقة عن "السيادة" والقريبة من الإطار التنسيقي.
ويعتقد بان القيادي السني والذي تسربت انباء عن انه سلم نفسه للسلطات العراقية في 2020 بعد اتهامات بـ "الارهاب" و"الفساد"، سيكون لاعبا مهما في التأثير على باقي الاطراف السنية المتحالفة مع "الصدر" لتفكيك التحالف الثلاثي.
وفي نفس الاتجاه وهو السياسي، أصدر "الاطاريون" مبادرتين لحل الازمة خلال فترة "عزلة الصدر"، واحدة موقعة من الإطار التنسيقي، واخرى لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم.
كما قاد "التنسيقي" حوارات مع حزب الاتحاد الوطني، وتحالف "عزم"، لكنها بالمحصلة لقاءات بدون جدوى لأنها لم تتضمن اعلان تحالف واسع بشكل رسمي، او تحقق اغلبية المقاعد.
ووفق مصادر سياسية تحدثت لـ(المدى) فان "الإطار التنسيقي يلعب بطريقة غير ذكية حيث من جهة يحاول استمالة مقتدى الصدر، لكنه بالمقابل يعتبر ان هناك مؤامرة خارجية تساند التحالف الثلاثي".
وفي الاسبوع الماضي، قال هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، ان "بريطانيا تتدخل في الازمة السياسية".
وبعدها قال زعيم عصائب اهل الحق، قيس الخزعلي، ان "الارادة الخارجية هي ما تجمع التحالف الثلاثي أكثر من اي قضية أخرى".
وكذلك نوري المالكي، رئيس الوزراء الاسبق، تحدث أكثر من مرة عن وجود "مؤامرات"، وان تشكيل حكومة اغلبية ستعيد "الارهاب" الى العراق.
بالمقابل فان احداثا امنية، جزء منها، خلال فترة الازمة، اتهم بها أطراف من الإطار التنسيقي، مثل الهجمات المنظمة على مقرات الاحزاب السنية والكردية المتحالفة مع "الصدر"، وسقوط صواريخ قرب منزل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، شرق الفلوجة.
ثم الصواريخ الـ 12 "البالستية" التي اطلقت من طهران على اربيل، وتهديد المتحدث باسم كتائب حزب الله، بتحريك عدد من الفصائل في الانبار ضد رئيس البرلمان.
واخيرا محاولة الاغتيال الفاشلة لثلاثة نواب في شمالي بغداد من بينهم نائبان عن التيار الصدري والثالث من تحالف سيادة، الى احتفال نواب من "التنسيقي" باقتحام متظاهرين منفذ الشلامجة الحدودي مع إيران في جنوبي العراق.