بغداد/ تميم الحسن
تخيف فكرة "اعادة الانتخابات" اغلب أطراف الإطار التنسيقي، الذي قد يطالب بتغيير قانون الانتخابات الاخير، إذا أصبح هو اخر الحلول.
وخلال الايام الماضية، بدأت بعض الاوساط السياسية في تقبل فكرة "حل البرلمان" ثم الذهاب الى انتخابات مبكرة جديدة.
ويأتي هذا الحل، كآخر الحلول فيما لو اخفقت القوى المتخاصمة في الوصول الى اتفاق بعد "مهلة الصدر" التي يفترض ان تنتهي الشهر المقبل.
وبدأت اقتراحات الخروج من الازمة السياسية المستمرة منذ أشهر تتقلص حتى بات الجميع يدور في حلقة مفرغة.
ويصر التيار الصدري مع شركائه في التحالف الثلاثي على تشكيل حكومة اغلبية قد تستبعد اغلب القوى الشيعية الفائزة في الانتخابات.
وعلى الطرف الاخر فان خصوم الصدريين، يتشبثون بما يصفونه "حق الشيعة" في تشكيل الكتلة الاكبر، قبل البحث في تشكيل الحكومة او اختيار رئيس وزراء جديد.
وكانت اغلب التوقعات قد رجحت قيام حكومة جديدة نهاية العام الماضي او مطلع الحالي كحد اقصى، لولا دخول البلاد في سلسلة من التفسيرات القانونية التي عقدت المشهد.
وكان التحالف الثلاثي "انقاذ وطن" قاب قوسين او أدنى في شباط الماضي من اختيار رئيس الجمهورية، قبل ان تقلب المحكمة الاتحادية الطاولة بتفسيرها الشهير حول نصاب جلسة انتخاب (الرئيس).
وطالبت المحكمة، بوجود ما لايقل عن ثلثي اعضاء البرلمان (220 نائباً من أصل 329) في الجلسة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما شكل بعد ذلك ما بات يعرف بـ "الثلث المعطل".
وكان "الثلاثي" الذي يضم الصدريين وتحالف سيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، أعلن رسميا في آذار الماضي انه الكتلة الاكبر.
ورشح لمنصب رئيس الجمهورية ريبر احمد وهو بديل هوشيار زيباري الذي ابعد عن المنصب في شباط الماضي بقرار من "الاتحادية" على ضوء اقالته من البرلمان في 2016 بسبب قضايا فساد لم تثبت، بحسب تصريحات الاخير.
وقدم التحالف حينها ابن عم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وسفير العراق في لندن جعفر الصدر كمرشح لرئاسة الحكومة المقبلة.
وهذا الترشيح أحرج الإطار التنسيقي الذي لم يستطع الاعتراض عليه بشكل علني بسبب تاريخ المرشح العائلي وهو ابن محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة.
لكن "التنسيقي" بالمقابل اشترط على زعيم التيار، ان يكون الاول من ضمن الكتلة الاكبر، ويشارك على الاقل في نصف الوزارات التي من حصة الشيعة.
في البداية كان مقتدى الصدر، بحسب اوساط سياسية تحدثت لـ(المدى) مستعدا لـ "مناقشة التنازل" عن اقل من نصف حصة الشيعة في الوزارات، وهي 12 وزارة من اصل 22 وزارة.
وبحسب تلك الاوساط الفاعلة في الحوارات السياسية، ان زعيم التيار كان "يمكن ان يتنازل عن 5 وزارات فقط، والتفاوض على ان تكون من بينها وزارة او اثنتان سيادية".
واثار "الصدر" في تلك المفاوضات -قبل الدخول في الاعتكافة الاخيرة قبل أكثر من اسبوع-غضب خصومه بسبب رغبته بالحصول على "كل البيض داخل السلة".
وكان بحسب العرف السياسي المتبع في تشكيل الحكومات بعد 2003، ان يتنازل الحزب الذي يحصل على منصب رئيس الوزراء عن كل الحصص (الوزارات) الى رفاقه في المكون الواحد.
لكن زعيم التيار في هذه المرة، ولأنه طرح مشروع "الاغلبية السياسية"، كان يفكر في تقاسم الحصص بينه وبين حلفائه في "انقاذ وطن".
وتواصل تلك المصادر متحدثة عن كيفية وصول المفاوضات الى طريق مسدود: "بعد تمسك الإطار التنسيقي بنوري المالكي، زاد بالمقابل تصلب موقف الصدر وطلب الحصول على كل البيض (الوزارات)".
12 وزارة يريديها زعيم التيار الصدري لوحده الى جانب منصب رئيس الوزراء، كما طالب بتسليم "سلاح الفصائل"، و"الحرية في معاقبة" اي مسؤول مهما كان منصبه اذا ثبتت عليه قضايا فساد.
هذه الاشتراطات فجرت الخلافات بين الصدريين والإطار التنسيقي، وانتهت في بداية رمضان الى دخول "الصدر" في عزلة الاربعين يوما، تاركا خصومه يواجهون مشكلة تشكيل الحكومة لوحدهم.
وأصدر "التنسيقي" بيانا غاضبا اول من أمس، اعتبر فيه أنه غير معني بتحديد سقوف زمنية، في اشارة الى "مهلة الصدر".
وقال "التنسيقي" في بيان صدر عقب اجتماع للأخير مساء الاثنين، ان تأخر تشكيل الحكومة "لا يصب في مصلحة المواطن العراقي الذي يطمح لتحسين وضعه الاقتصادي".
ويؤكد البيان ان الإطار التنسيقي "غير معني مطلقا بتحديد مديات زمنية لن تنتج سوى اطالة امد الانسداد السياسي وتعطيل مصالح الناس".
وشدد البيان على ان "التنسيقي" يسعى الى" الوصول الى تفاهمات واقعية مع القوى السياسية الاخرى بعيدا عن التفرد او الاقصاء" في تشكيل الكتلة الاكبر.
وتشير مصادر متطابقة مع السابقة، الى ان سبب البيان الاخير هو ان زعيم التيار الصدري: "اغلق تماما اي باب للحوار"، كما انه "يرفض بشكل قاطع اعطاء اي مناصب تشريفية".
وكان "التنسيقي" قد حاول المراوغة في التفاوضات، بالحصول على منصب لرئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، المرفوض من "الصدر"، كنائب لرئيسي الجمهورية او الوزراء المقبلين.
انتخابات جديدة
كما بدأت بالمقابل القوى السياسية، بحسب بعض التسريبات، التفكير جديا بقضية حل البرلمان والذهاب بعد ذلك الى انتخابات مبكرة جديدة، كحل للازمة.
ويخيف هذا الخيار اغلب مكونات الإطار التنسيقي، حيث يجد هذا الفريق بان خسارته قد تتسع في حال خاض انتخابات جديدة.
وفق ما يتم تداوله في الكواليس ان "تحالف الفتح يعتقد انه قد يخسر نصف ما حصل عليه من مقاعد في 2021".
وفقد "الفتح" وهو احد مكونات الاطار التنسيقي، نحو 30 مقعدا عن نتائجه في 2018، حيث حصل في 2021، على 17 مقعدا فقط مقابل نحو 50 مقعدا في الانتخابات السابقة.
بالمقابل ان تحليلات القوى السياسية بعد نتائج الانتخابات الاخيرة التي جرت في تشرين الاول الماضي، تشير الى ان جمهور التيار الصدري في الانتخابات سيبقى ثابتا وكذلك جمهوري القوى السنية والكردية.
كما يمكن بالمقابل ان تصعد حظوظ القوى او الشخصيات المستقلة في حال تمت اعادة الانتخابات، حيث كانت الانتخابات الاخيرة بمثابة اول تجربة لهذا الفريق الذي لم يشارك بكل طاقته مع دعوات "المقاطعة" التي سبقت الاقتراع.
خشية "التنسيقي" من انتخابات جديدة، لا تتعلق فقط في حجم الاصوات، وانما ايضا في قانون الانتخابات الذي تم استخدامه لأول مرة وسمح بوصول قوى صغيرة، واتهمه الاول بانه كان منحازا لطرف معين.
"التنسيقي" وبحسب ما يدور في الغرف المغلقة، في حال ارتضى بإعادة الانتخابات "لن يوافق على خوضها بقانون الانتخابات الأخير".
وكان "اطاريون" قد اتهموا عدة مرات "الصدريين" بتفصيل القانون على مقاسهم، فضلا عن الطعون بالنتائج التي استمرت شهرين.
وكان القانون الذي جاء على اعقاب تظاهرات تشرين، قد اعترف لأول مرة بإمكانية خوض المستقلين للانتخابات بشكل منفرد، وسمح بالدوائر المتعددة.
ومن الجانب الاخر، ان عملية اعادة الانتخابات قد تكون مكلفة جدا على الاحزاب، حيث تشير التقديرات الى ان الحملة الدعائية فقط كلفت على الاقل 8 ملايين دينار للنائب الواحد.
كما كانت مفوضية الانتخابات قد منحت ميزانية وصلت الى 300 مليون دولار، وهو ما يعادل نحو 45 مليار دينار.
وفي غضون ذلك يعتقد نجم القصاب، وهو باحث في الشأن السياسي، ان الازمة لن تصل الى حلول مع تشبث كل من الاطراف بمواقفها حتى بعد نهاية "مهلة الصدر".
واضاف القصاب في حديث لـ(المدى) ان "الحلول صعبة للغاية خصوصا بعد ان خذل المستقلون الصدريين ولم يحضروا في اخر جلسة لانتخابات رئيس الجمهورية".
ويدعو الباحث زعيم التيار الصدري الى ان "يضم اجزاء من الإطار التنسيقي الى الحكومة المقبلة لتنهي عندها المشكلة".