إياد الصالحي
عبارة صادمة دوّت متأخراً في مقرّ اتحاد الكرة الإماراتي لكرة القدم الذي ترأسه يوسف يعقوب السركال خلال فترته الأولى (2004ـ 2008) بعدما فاجأ المدرب الهولندي ديك أدفوكات إدارة الاتحاد بهروبه بعد شهرين من توليه تدريب منتخب الإمارات (تموز وآب عام 2005) متوجّهاً لتدريب منتخب كوريا الجنوبية بعقدٍ يسيل له اللعاب، تاركاً السركال يعضّ يده لعدم تضمين شرط جزائي أو حجز جواز المدرب!
آنذاك لم توجّه الانتقادات حول حكاية هروب أدفوكات بهدف تعميق جروح الاتحاد أو تكدير الأجواء بالكلام، بل للتنبيه والتحذير من شبكة وكلاء الأعمال التي لا تهمّها سوى مصلحتها، فكان الأحرى رفض رغبة أدفوكات بعدم وجود شرط جزائي بذريعة (التمتّع بحرية العمل بلا ضغوط وترك المهمّة حينما يشاء) وإذا به يغادر في ظرف غامض ولم يُصارح إدارة الاتحاد وسلّم مفتاح بيته للحارس، من دون مُراعاة أصول أنهاء العمل بالتفاهم مع صاحب العقد احتراماً لتوقيعه في وثيقة قبول تدريب المنتخب الشقيق وفقاً للتقارير الموسّعة للصحافة الإماراتية التي غطّت حادثة هروب العجوز حينه!
استذكرتُ سلوك أدفوكات الذي كرّره مع اتحاد كرة القدم يوم تخلّى عنه في 23 تشرين الثاني عام 2021، بعد أن خدع الإعلام والجمهور والاتحاد بظهوره الأخير في مؤتمر نادي الغرافة بالدوحة قبل هروبه، واعداً بأنه سيقاتل من أجل البطاقة الثالثة، برغم أن حصيلته مع منتخبنا أنه خسر من إيران وكوريا الجنوبية بنتيجة (0-3) وتعادله أربع مرات مع كوريا ولبنان سلبياً ومع الإمارات (2-2) وسوريا (1-1) للفترة من 2 أيلول الى 16 تشرين الثاني عام 2021، وطوال المدّة هذه لم يبتْ ليلة في العاصمة بغداد، بل مرّ بها ماكثاً 20 دقيقة في صالة تشريفات مطارها بعد إنتهاء جولة سيئول!
مقلب أدفوكات الذي شربناه مع الإخوة في الإمارات، سيُتبع بمقلب آخر إذا لم نُحسن ضبط عقودنا مع المدربين الأجانب، ولا نترك لنوايا "البزنس" العبث بمصلحة كرتنا، فأغلب تجاربنا مع المدربين الأجانب فشلتْ ولم تصلح لبيئة لعبتنا، ومع ذلك يصرّ الاتحاد على المضي لإبرام صفقة جديدة بعد استشارته مجموعة من الخبراء الذين أعتادوا على معارضة التوجّه نحو الأجانب سِرّيَّة في مكالماتهم الشخصية مع الاصدقاء من رياضيين وإعلاميين، لكنّهم يوافقون رئيس الاتحاد واللجنة التنفيذية علانيّة على صواب اختيار مدرب مشهود له بتجارب مميّزة!
الخبراء يدركون جيّداً أن جميع المدربين الأجانب نفروا من المعيشة في بغداد بسبب جهل إدارة اللعبة في التعامل الصحيح معهم وضُعف بنود عقودها وعدم تأمينها حقوقنا بدءاً من صفقة ستانج (2002) وفييرا (2007) وأولسن (2008) وبورا (2009) وسيدكا (2010) وزيكو (2011) ومروراً بفلاديمير (2013) وكاتانيتش (2018) وأدفوكات (2021) وصولاً إلى زيليكو (2022)!
لا تتفاجأوا أن أيّ مدرب قادم لتدريب منتخب الأسود سوف يدسّ في محفظة برنامجه الفني ورقة هروبه في اليوم الذي لا يجد بعده أي جدوى لإتمام عمله في ظلّ عدم احتجاز جوازه مع أفراد طاقمه المساعد في خزانة الاتحاد طوال فترة مكوثه ببغداد، كإجراء إداري - إحترازي يُجنِّبنا مزاجية المدربين في اختيار بغداد (ترانزيت) لسفرهم الدائم إلى بلدانهم أو عواصم البطولات التي يرتبط منتخبنا بمنافسات فيها!
ولنا في تجربة زيكو وكاتانيتش خير دليل، فالأول كان يقضي شهور عقده في الأردن، والثاني بين سلوفينيا وأربيل، مقابل مئات ألوف الدولارات التي يُحرم منها شعبنا الصابر أملاً بأن يداوي المنتخب جراح الطبقة المُدقعَة في المجتمع وأوجاع معاناتها مرّة واحدة بضحكة انتصاره في ملاعب الكرة، وإذا بسماسرة المدرّبين الأجانب يواصلون الضحك معهم على شعبنا المرّة تلو الأخرى أمام سذاجة صانعي القرار الرياضي وغياب محاسبتهم قانونيّاً بتهمة إهمالهم بوقوع الضرر المادّي والمعنوي من جرّاء إبرام العقود الخائبة!
كفّوا عن استغلال ملفّ المدرب الأجنبي لقتل الوقت واسكات المعترضين على سياسة إدارة اتحاد الكرة "الخاطئة" وباشروا بفصل المهام عن وجودكم المُدعم باصوات الناخبين وغير المُنتج وفقاً لنتائج المنهج وقواعد العمل البالية، وآن الأوان أن يتم تعيين كبار المستشارين الأجانب ممّن نجحت تجاربهم في اتحادات مجاورة بلغت مديات تميّزها مستويات إدارية متقدّمة لتنظيم شؤون المسابقات وإعادة تنظيم التلاقح مع فئات القاعدة الكروية وكيفية الارتقاء بالمنتخبات وفقاً لمنظومة احترافية متكاملة لا يجرؤ كبيركم خبرة وتاريخاً ولمعاناً مُسايرة متطلّبات عصر اللعبة مثلما خبرها المدراء الفنيين في الاتحادين الدولي والأوروبي الذين نقل بعضهم الكرة الخليجية "القطرية والسعودية" تحديداً للتحليق عالمياً.