اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جملة مفيدة:مرثيات العقل الجمعي

جملة مفيدة:مرثيات العقل الجمعي

نشر في: 20 إبريل, 2022: 12:10 ص

 عبد المنعم الأعسم

من حيث انتهت حالة العراق، وقبل التقصي عمن اوصلها الى هذه اللحظة التاريخية المأزومة، فانه لا ينطوي على اكتشاف مثير القول بان العراق صار اكثر من عراق، والشعب العراقي شعوبا، والطائفة انتشرت بالعرض الى طوائف متنائية، والعقيدة تفتت الى عقائد بلا طعم،

والكتلة السياسية الى كتل مجهرية، والعشيرة الواحدة الى عشائر متناسلة، متقاتلة، على الدوام، والعائلة الى عائلات متناطحة، والمرجعية المجتمعية الى مرجعيات عشوائية، واللغة المتداولة بين الناس الى لغات ازدحمت بالحافات والمخاشنة وفقدان اللياقة وجماليات الهمس والمحبة.. وفي مثل هذه المحصلة لا يمكن للمراقب ان يسأل عن مصير العقل الجمعي، الذي نعته كتابات وتأملات وقراءات كثيرة، فيما دُفنت الى الابد دعوات "انقاذ ما يمكن انقاذه" من قبل العقلاء، واقتصر مثل هذا النداء النبيل على من تسبب في واحدة من هذه العلات، أو في جميعها. أما وقفة التأمل في هذه اللوحة فلا تعدو عن وقفة على صفيح ساخن، سرعان ما يستسلم صاحبها الى الهزيمة.

لاحظ صديق متخصص بسايكولوجيا الباطنيات ان شخصا مرموقا متعلما يدافع عن فكرة يعرف انها باطلة وليست موثقة ولا يقبلها العقل دفاعا حماسيا كما لو ان تلك الفكرة حقيقية، ويعيد الظاهرة الى مظنّة مرضية تضرب العقل الجمعي العراقي حيث يعاني من التباسات من بينها الارتياب بالحقائق وانعدام الثقة بمبدأ التوثق، والدفاع عن الشيء ونقيضه، والخوف من الظهور بمظهر الموضوعي والعقلاني امام الجمهور، برغم معرفته ان الامر ينطوي على خيانة الضمير وإهانة الامانة العلمية.

وبهذا الصدد، لابد من الاشارة الى ان نخباً من الشبيبة المهمشة الساخطة، والكثير من اصحاب العقول (ولا لوم عليهم) يجدون متنفساً وسلوى بالمعارك الاعلامية اللسانية، هابطة المعنى، وباعمدة الدخان المرتفعة من حرائق التشهير والتسقيط وتحشيد الاكاذيب، بل ان الكثيرين يصفقون لابطال هذه المعارك ويرسلون لهم برقيات التأييد "سيروا ونحن من ورائكم" ويتفاعلون مع كومة الإساءات ويحفظون الارقام والنصوص والزلات عن ظهر قلب، وكل ذلك يدخل في عناصر لحظة الالتباس التي تعصف بالعقل الجمعي "ولعمري (هكذا يقول الجاحظ) إنّ العيون لتخطئ، وإنّ الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل" ويزيد "وإنما سُمّي العقل عقلاً وحجراً لأنه يزمّ اللسان عن أن يمضي فرطاً في سبيل الجهل والخطأ والمضرة" وفي سجالاته مع الاخرين يصل الجاحظ الى الخلاصة الثمينة التي يتداولها الحكماء بالقول "إنّ قيام السلطة لتنظيم المجتمع البشري أمر ضروري، وأنّ العقل مصدر هذه الضرورة".

اقول، ان اللجوء الى المنطق العقلي، في تصويب الحاضر العراقي ضروري في الظروف الاعتيادية، وفي كل زمان، وهو أكثر ضرورة في ظروف المنازعات قبل ان يتدحرج العقل الجمعي عن مكانه، وتحل في الرؤوس نشارة الخشب.

استدراك:

"البعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم".

جبران

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

 علي حسين انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب...
علي حسين

قناديل: تشويه صورة تشومسكي

 لطفية الدليمي ماذا عساك تفعلُ عندما تسعى لتشويه صورة إنسان معروف بنزاهته واستقامته الفكرية والانسانية؟ ستبحث في التفاصيل الصغيرة من تاريخه البعيد والقريب علّك تجد مثلبة (أو ما يمكن تأويله على أنه مثلبة)....
لطفية الدليمي

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

محمد الربيعي هذه المقالة تتبنى ما طرحته في كتاباتي السابقة وتعيد ما اكدت عليه في سياقات مختلفة. اسأل القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالي مسامحتي ازاء الالحاح في التأكيد، فالحاجة تدعوني لاعادة النظر في هذه...
د. محمد الربيعي

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

لينا اونجيلي ترجمة: عدوية الهلالي في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات...
لينا اونجيلي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram