ستار كاووش
ما أن حلَّتْ الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد، حتى دخلَ رجل هولندي في الثامنة والأربعين من عمره الى متحف زاند بمدينة زاندام القريبة من أمستردام، وخطا داخل أروقة المتحف بكل هدوء، حتى وصل لحارس إحدى القاعات المليئة باللوحات المهمة،
وسأله بلياقة وأدب (أين أجد لوحة كلود مونيه التي رسمَ فيها منظراً لزاندام)، فما كان من الحارس سوى إجابته بأن اللوحة الشهيرة موجودة في القاعة المحاذية. وهنا شكره الرجل بكل تهذيب ومضى نحو القاعة المذكورة، وتوجه مباشرة الى لوحة مونيه، محاولاً إنتزاعها من الجدار بصعوبة، وسط ذهول الزوار وأرتباكهم وصراخ الحارس. لكن الرجل الأربعيني لم يتردد ولم يوليهم أي إهتمام، حيث نجحَ بالنهاية في خلع اللوحة من الجدار والإنطلاق الى الخارج، يتبعه صياح الناس والحارس. وفي موقف السيارات التابع للمتحف كان أحد أصدقاءه ينتظره على هبة الإستعداد جالساً على ظهر دراجته النارية، لكن حين إقترب منه اللص، كان الناس والحارس قد لحقوا به ايضاً. فحاول صديقه تشغيل الدراجة، لكن بسبب السرعة والإرتباك لم يستطع القيام بذلك بالسرعة المطلوبة. لتقترب الجموع والحارس منهما، واللص جالس على المقعد الخلفي للدراجة، ومتأبطاً اللوحة، فيما صديقه مازال يحاول تشغيل الدراجة دون جدوى. فما كان منه سوى إخراج مسدس، وأطلق منه بعض العيارات في الهواء لفض المجموعة التي حاصرته. وهنا إستطاع صديقه تشغيل الدراجة، لكن الوقت قد تأخر، لأن اللوحة قد أفلتت وسقطت من يد اللص على الأرض بعد أن هجم عليه الحارس. لينطلق اللصان سريعاً بعيداً عن المتحف قبل وصول الشرطة، بينما سحبَ الحارس خطواته الى داخل المتحف وهو يحتضن اللوحة وكإنها أحد أبناءه. هذا ما حدث بالتفصيل في متحف زاند الهولندي، وكأنه جزء من فيلم أكشن لا يخلو من اللمسات الكوميدية. وقد بحثت الشرطة هنا وهناك عن اللص، ولم يجدوا له أي أثر، لكنهم قد وجدو الدراجة التي أستخدمت في عملية السطو، مرمية في إحدى حدائق منطقة فايدة فورمر. ليبقى البحث جارياً عن هذا اللص الغريب ومساعده الأكثر غرابه، والذي لم يفلح وقتها لحسن الحظ في تشغيل الدراجة بسرعة. لَحِقَتْ باللوحة بعض الأضرار البسيطة التي عالجها المتحف لتعود الى مكانها تستقبل الزائرين والمهتمين بالفن.
بعدَ أن عجزت الشرطة في العثور على هذا اللص، حدث ما لم يكن أبداً في الحسبان. فقد دخل اللص ذاته الى مركز الشرطة قائلاً (صباح الخير يارجال الشرطة اللطيفين، أنا الذي حاولت سرقة لوحة مونيه من المتحف، وها أنا أسلم لكم نفسي بكل طواعية). أتخيلُ في هذه اللحظة كيف تساقطت أقداح القهوة من أيدي رجال الشرطة وكيف تبعثرت أوراقهم وهم يقفزون نحوه غير مصدقين. لأن هذا اللص لم يكن سوى (هينك) الذي إختص بسرقة اللوحات، وقد سرق أيضاً قبل عشرين سنة لوحتين من لوحات فنسنت فان خوخ، كانتا معلقتين في متحف هذا الرسام الشهير وسط أمستردام، وقد إختفت هاتين اللوحتين بعد السرقة خمسة عشر عاماً، قبل أن تجدها الشرطة عن طريق المصادفة، بعد أن داهمت شبكة مافيا في مدينة نابولي الايطالية، ووجدوا اللوحتين هناك في مخبأ المافيا، لتعود اللوحتان الى المتحف الهولندي. ولوحة مونية التي حاول سرقتها، كان المتحف قد إشتراها في الفترة الماضية بمبلغ مليون ونصف مليون يورو. ورسمها مونيه أثناء قضاءه أربعة أشهر في هولندا، حيث رسمَ في تلك الفترة خمسة وعشرين لوحة في مدينة زاندام.
وبالعودة لصديقنا هنك، فقد سأله القاضي، لماذا سلمت نفسك؟ فأجابه بأن المافيا التي كلفته بسرقة اللوحة قد هددته بعد فشل السرقة، لذا فَضَّلَ اللجوء الى الشرطة التي هي في خدمة المواطنين. ضحك القاضي الذي لم يصدق نوايا هينك تماماً، وحكم عليه في النهاية بالسجن ثلاث سنوات وشهرين، سيقضيها ويصبح بعدها حراً... ومن يدري؟ ماذا سيسرق هنك بعد قضاء محكوميته وأية لوحات ستكون ضحيته القادمة؟ اللص مازال في السجن، والشرطة تتابع الموضوع، واللوحات الكثيرة مازالت تملأ المتاحف.