طالب عبد العزيز
في معرفتنا أنَّ صفة الأديب مشتقة من الأدب. وعند صاحب اللسان” إنما سُمِّيَ الأدبُ أَدَبًا لِأَنَّهُ يَأْدِبُ النَّاسَ إِلَى الْمَحَامِدِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمَقَابِحِ. وَأَصْلُ الْأَدْبِ الدُّعَاءُ، وأَدُبْتُ أَدَبًا حَسَنًا وَأَنْتَ أَدِيبٌ، وَهُوَ أَدِيبٌ، والْأَدَبُ: أَدَبُ النَّفْسِ وَالدَّرْسِ. وَالْأَدَبُ: الظَّرْفُ وَحُسْنُ التَّنَاوُلِ. وَأَدُبَ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ أَدِيبٌ، مِنْ قَوْمٍ أُدَبَاءَ.” وهكذا، لم أقع في كتب اللغة على معنى يتقاطع مع جملة المحامد المذكورة.
وحتى وقت قريب فأنَّ الاديب، صاحب صنعة الكتابة، شاعراً كان، أو كاتباً روائياً، أو حتى موظفاً في مؤسسة ما شخصٌ محترم، تحترمه الناس لصنعته، وتُنزِله المنزلة العليّة إكراماً لفهمه وعلمه وأدبه، فهو في جانب من سلوكه صانع جمال، وحارس قيم، وخطوة أولى في التنشئة الحسنة للأجيال، ومثال متقدم في اكتناز المعرفة.. والى غير ذلك، ولم نعرف من بين هؤلاء من أساء الادب لأحد، أو استعمله في الشرِّ وإيذاء الناس، اللهم إلا ما قرأناه في الاثر من الحسد والغيرة بين كبار الادباء، والذي قُدِّمَ الينا بوصفه زاداً أدبياً، فيه من المُلح والظَّرف ما يسرُّ النفس القارئة، والامثلة في ذلك كثيرة ومتنوعة.
وعلى امتداد الازمنة وجدنا الادب والاديب خصيصة جماعة معينة، حظوا بشيئٍ من العلم، واختصوا به، وفارقوا فيه أقرانهم، وفيهم من إجتهد اكثر فنال المنزلة العلية، والدرجة الرفيعة وتكاسل البعضُ، أو تقاعس، فنال منزلة أدنى، وهناك من لم يجد له في ذلك نصيباً، لكنه اجتهد في التجارة والكسب المشروع فجمع المال، أو ذهب الى علم آخر فبرع فيه، وهذا حال الدنيا بحسب قول أحدهم: “.. فذا مالٌ وذا علمٌ وذا مكارم الاخلاق”. ترى، لماذا يلجأ أحدُ المحسوبين على الادب الى النيل من صاحب الصنعة، والتعريض به، والنيل منه، بل والذهاب الى اتهامه بما يودي بحياته أحياناً؟
قد (تبيحُ) القواعدُ والسننُ البغضاءَ والكراهيةَ بين فريقين متنافسين على جائزة أدبية ما، أو درجة وظيفية لكن، أنْ يتعرض لك وينال منك من لم تلتقه، ولم يجمعكما جامع فهذا مما يغضبك حقاً، أديبا كنت أو من عامة الناس، لكنك حين تذهب في البحث عن الاسباب ستجده يقصدك لا لعيب أدركه فيك، ولا لخصومة لك معه، فهو في وادٍ وانت آخر، إنما هو سعيُّ منه، لمرضاة آخر تعرفه، اجتمع خلْقُ المدينة على وصفه ومعرفته.
ما يدمي القلب هنا لا يكمن في النفر المنبوذ هذا، أبداً إنما في صمت الآخرين، المحيطين بهم، ممن تناوبوا الكلمة على منصة الادب، وأوهموا الناس بانهم أدباء. هل يكفي أن تكتب قصيدة او رواية وانت بلا موقف انساني؟ هل يكفي أن تكون في حزب وطني وأنت ذيل ذليل لمتبوعك؟ وهل يكفي أن تتحدث في المثل والقيم والاخلاق وأنت تصحب وتمالئ من لا يملك من ذلك شيئاً؟ نعيب على الصحافة أعضاءها الطارئين، وعلى السياسة رجالها السيئين، وعلى التجارة أصحابها المرابين، وعلى باعة الخضار والفاكهة الغشاشين ولا نعيب على مدعي الآداب سوء ادبهم. للاسف.