ستار كاووش
تُعرَفُ المرأة الأوروبية بإرتدائها البنطال عادة، ذلك لأنه عملياً بالنسبة لها أثناء العمل والحركة وركوب الدراجة وغيرها الكثير من المهمات التي تقوم بها في حياتها اليومية، وهكذا مع مرور الوقت أصبحت ملابس النساء والرجال متقاربة بالمواصفات العامة بشكل أو آخر،
وليست هناك فروقات كبيرة تُذكر سوى ببعض التفاصيل الصغيرة التي تكاد لا تظهر للعيان. وأذا أضفنا المناخ البارد للموضوع، فسيتوضح إن ذلك قد عجَّلَ أيضاً بإبتعاد النساء عن ارتداء التنورات، وجعل البنطال هو المفضل. ومع الحريات والإنفتاح الأوروبي والعالمي عموماً وممارسة النساء لذات المهن التي يمارسها الرجال، أخذَ البنطال مكانهُ الواضح عند المرأة، وإنسحبت التنورات عائدة بحسرة الى خزانات الملابس. لكن مهما إبتعدت التنورة عن إهتمام النساء، تبقى جزءً أساسياً من أناقة وجاذبية المرأة، حتى إن أهالي شمال أوروبا في الغالب حين يرون امرأة ترتدي التنورة، يتبادر الى أذهانهم شيئاً إفتقدوه منذ زمن بعيد، وأحياناً يُعَبِّرونَ عن مشهد التنورة بكلمة (كلاسيك) وهو تعبير إيجابي هنا في الغالب، ويتبادر الى أذهانهم إنها جاءت من بلدان جنوبية أو شرقية، وهذا يحمل أيضاً قدراً من الجاذبية. ومع إنحسار إرتداء التنورة، وخاصة في أوروبا الغربية والشمالية، ظهرت الحاجة من جديد عند الكثير من النساء هنا وهناك لأرتدائها، وتبيان مفاتن سيقانهن الجميلة، وخاصة حين يكون الجو دافئاً. وفي بلد مثل هولندا ترتدي جميع نساءه البنطلونات فقط، توضحت هذه الحاجة الملحة، ليكون هناك يوماً وطنياً للتنورات، وهو عيد ترتدي فيه النساء تنورات دون لبس جوارب نسائية طويلة تحتها (بانتي) ويكون في يوم الثاني والعشرين من نيسان، وإن كان الطقس ممطراً أو بارداً في هذا اليوم، فسيؤجل الإحتفال بالتنورات الى أقرب يوم بعده تكون فيه درجة الحرارة عشرين مئوية أو أكثر، حيث تمتليء الشوارع والحدائق والشواطيء والمقاهي وكل الأماكن الأخرى بالسيقان التي تلتمع تحت شمس نيسان الربيعية. ألوان تتمايل هنا وشرائط فضفاضة هناك، تنورات طويلة وقصيرة تلائم الأعمار والسحنات وتُعجل بقدوم الصيف. كان هذا الإحتفاء بالتنورات موجوداً لكن بحدود ضيقة هنا وهناك، حتى جاء الكاتب مارتن بريل الذي يكتب عموداً في صحيفتين شهيرتين هما بارول والشعب، وكتب حول ضرورة إحياء يوم كهذا، وظل يكتب بإنتظام في عموده منادياً بيوم وطني للتنورات، ثم ألَّفَ بعدها كتاباً عنوانه (يوم التنورات)، لينتشر الأمر أكثر بين النساء، لطرافته وكونه عودة للأنوثة والجمال الكلاسيكي الذي يفتقده الكثيرون. وبعد وفاة مارتن بريل يوم ٢٢ نيسان، أصبحَ تاريخ وفاته هو اليوم الوطني للتنورات، كتحية لهذا الكاتب. وهكذا أضيف في الثلاثين سنة الأخيرة عيداً جديداً في هولندا، إضافة الى يوم التولب الوطني ويوم القبعات وغيرها من الأعياد التي تلائم حياة هذا البلد الجميل. حتى إن هناك فيلماً هولندياً أُنتِجَ حول هذا اليوم إسمه أيضاً (يوم التنورات)، وقد صارت هذه التسمية رسمية، وأُستعملت في الكثير من التفاصيل ودخلت للقاموس الهولندي.
وبمناسبة التنورات، هناك مثل هولندي قديم جداً، لكنه مازال مستعملاً، يقول (هي التي ترتدي البنطلون) ويطلقونه على المرأة التي تتحكم بزوجها، وهي التي تدير وتقرر شؤون البيت. وواضح إن المقصود من كلمة بنطلون هنا هو تشبه المرأة بالرجل في تلك الأوقات الماضية.
عموماً، فالتنورات أيضاً أنواع مختلفة، تناسب الأعمار والأعمال وحتى هيئات النساء. وبشكل عام، فالتنورات القصيرة جداً تكون عادة للفتيات الصغيرات بين عمر الثانية عشرة والسابعة عشرة تقريباً، بينما الشابات الناضجات او النساء الأكبر عمراً بعض الشيء، فالتنورة المناسبة -حسب ما يقوله خبراء الأزياء وما يتعلق بالذوق العام- الأفضل أن لا يتجاوز قصرها (عَرضِ ثلاثة أصابع) فوق الركبة، أي خمسة سنتمترات، وإلا أصبح المظهر رخيصاً وقريباً من الإبتذال.
برأيي الشخصي، أرى إن المرأة سواء لبسَتْ تنورة أو ثوباً أو بنطالاً، فجمالها ينبع من الداخل، وإن أهمية ما تقوم به وما تعكسه شخصيتها وحضورها يتفوق على كل أشكال الموضة، وهذا ينطبق على الرجل أيضاً.