عبد المنعم الأعسم
حين يكون التعويل على الجماعة التي ادارت معادلات الحكم لعقدين من السنين، وتقاسمت وظائفه وامتيازاته ووجاهاته، واخفقت في ترجمة وعودها الى الواقع،
والى منازل المحرومين والمهمشين وابناء التضحيات الحلال، وابتدعت خطايا «المحاصصة» والولاءات المأجورة والتابعية الى خارج الحدود، ومررتْ اشنع وابشع واسوأ التشريعات والقوانين والصفقات، وجعلت من العراقيين شحاذين على ابواب الدول وطـُعماً لحيتان البحور وهم يغرقون بانكفاء قوارب الهروب، وعطلّت، عن قصد (اكرر: عن قصد) عجلات مئات الالوف من المعامل والمصانع المحلية الناجحة في غالبيتها، بغرض تسهيل الاستيراد المغشوش وتنشيط تجارة الجوار وتكوين بطانة الفساد في المنافذ الحدودية، وباعت حياء وسيادة البلاد وتاريخها ومسلات عظمائها بأبخس الاثمان..
اقول، حين يكون التعويل على هذه النخب حصرا في ان توقف تدهور الاوضاع اكثر فاكثر، وان تعيد الثقة الى الملايين التي امتنعت عن التصويت لها في آخر انتخابات، أو التعويل على انها تعلمت من دروس الحكم الذي قبضت عليه بنواجذها، أو مستعدة للتراجع عن غيها خطوة واحدة، فاني – على ضوء كل ذلك- متشائم بلا حدود، ومفارق لكل من يعتقد بوجود خيط أمل، او نقطة ضوء، او بارقة حلٍ منصفٍ في نهاية النفق، وهو تشاؤم يستمد وجاهته من معاينة موضوعية لما حصل ويحصل، وما قيل ويقال، وما ضاع ويضيع، وفي مبرراته وخلفياته ان اصحاب الخراب والفشل مستمرون في وجهتهم الكارثية حتى وهم يرون أخطارها، متمسكون بالسلطة حتى وهم يعرفون انها لا تعدو عن وهم، وكأن نساء العراق لم تنجب (غيرهم) مؤهلات ومؤهلين، من اصحاب الكفاءة والنزاهة والغيرة على البلاد وشعبها..
ولما كانت المعادلة بين التشاؤم ونقيضه، الأمل، تستقيم فقط في محصلات الواقع، والنتائج الملموسة للاحداث فان المراقب لا يحتاج الى المجازفة في اختيار أي منهما، سوى ان يستمع الى ما يعترف به اللاعبون المعنيون عن لسان، أو عن زلات لسان، وما يشار له بالوثائق والمعطيات، وما تحققت منه معاهد ومراكز محلية ودولية احترافية ولها مصداقية وهي وفيرة، تفتح مستقبل العراق على احتمالات مفزعة في حال تكررت تجربة حكم الاعوام العشرين الماضية، والمهم، انها تفتح ضوءا للتفاؤل (أقول: التفاؤل) بان يتصدر عملية الحلول واعادة البناء على اسس وطنية عابرة للمحاصصة جيل عراقي جديد ولد في قلب الصراع وثورة تشرين واسترشد بالواقع، والعقل، الى مفاتيح الحل السياسي.. وهو الرهان البديل، ومصدر تفاؤلي، وغيري كثيرون، ايضا.
الى ذلك فان اريك فروم، وهو اشهر من رصد تجليات الامل في تماس السلوك بالمشاعر، يحذر في كتابه «ثورة الامل» من التبسيط ومن تحويل طاقة الامل الى وهم جماعي للمقموعين، فالامل عنده ابعد من دائرة علم الثورات الاجتماعية.. ويشاء «الدوس هاكسلي» ان يجعل من الامل في كتابه (أفضل العوالم) قوة سحرية لصناعة التغيير.
باختصار، ان الامل احساس نبيل باهمية العدالة كقاعدة للحياة بالنسبة للملايين المهمشة التي تبصر نورا في نهاية النفق الطويل، وتسعى اليه.
استدراك:
«أنا لا أكتب..
إنما أفتح النوافذ ليتنفس القراء».
آرت بوكوالد-
صحفي امريكي ساخر