TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: لماذا يكرهون بغداد؟

العمود الثامن: لماذا يكرهون بغداد؟

نشر في: 18 مايو, 2022: 11:56 م

 علي حسين

لا تسألوا ساستنا ومسؤولينا: لماذا تكرهون بغداد؟، وكيف أن أحزابهم استولت على مناطق حيوية فيها حولتها إلى إقطاعيات لا يسمح لأهالي بغداد الاقتراب منها.. ولا تسألوا لماذا بغداد حائرة في اختيار أمين لها يحولها من زرق ورق عبعوب إلى مدينة تنافس الرياض أو طهران أو الدوحة أو أبو ظبي أو أنقرة.

ولا تسأللوا ايضا لماذا كل امناء بغداد يعيشون خارج العراق يتمتعون باموالها في مشاريعهم الخاصة في كل يوم يباغتنا أحد المسؤولين بمفردات مبتكرة، مزيدة ومنقّحة، من قاموسهم الذي لا ينضب أبداً بما فيه من طرائف وعجائب، وتتذكرون معي مقولة عمار طعمة الذي انزعج لأن كتب التاريخ تقول إن أبا جعفر المنصور بنى مدينة بغداد.

في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وطوكيو، والآن اسمحوا لي أن أكتب عن الرياض التي تحولت إلى مدينة تضاهي مدن أوروبا، ونقرأ في الأخبار أن وزارة التربية في السعودية قررت أن تجعل من الموسيقى درساً في المدارس.. في الوقت الذي قرر أحد عمداء الجامعات أن يحول الطلبة إلى التحقيق لأنهم احتفلوا بتخرجهم ولأنهم ارتكبوا المعاصي بعزف الموسيقى.

دائماً ما أشير لكتاب المعماري العراقي موفق الطائي "بغداد جنة مع وقف التنفيذ"، ربما البعض من القراء الأعزاء يوافقون موفق الطائي، فهم مثله عرفوا بغداد أطفالاً وشباباً، عرفوا حدائقها الصغيرة، والبيوت الهادئة، وتنعموا بمشهد شارع الرشيد في الستينيات، ومروا من أمام مقهى البرازيلية، أو وقفوا يتفرجون على ما يعرضه حسو إخوان، فهم بعتبرون بغداد أجمل مدن الأرض، لكنه الخراب، الخراب الذي يعم "أم العراق" كما وصفها محمد القبانجي .

منذ أن عاد موفق الطائي إلى بغداد عام 1947 من زمالة دراسية في بريطانيا، قرر أن يفعل شيئاً عظيماً لـ بغداد، رافعً شعار فلندعها تزدهر، كان موفق الطائي وفياً لأساتذته الكبار محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهم الجيل العملاق قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم، وعبد الله إحسان كامل، ومعهم العشرات يملؤون بغداد ومدن العراق، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه إلى بغداد. في كتابه يوجه موفق الطائي نداءً صادقاً "حافظوا على بغداد" حيث يطلب منا أن لا ننسى وصية معلمه محمد مكية التي كتبها قبل وفاته بأيام "استمعوا إلى بغداد.. أصغوا إلى صوتها كثيراً.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أ.د نوزاد عبد الرحمن الهيتي

    بغداد اليوم اسوء مدينة للعيش في العالم وفق مؤشر ميرسر لجودة الحياة في المدن للسنوات العشر الماضية، وتاكد لي ذلك فعلا عن زيارتي لها كاستاذ زائر لجامعة بغداد في ديسمبر المنصرم

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram