اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: عودة مظفر النواب

العمود الثامن: عودة مظفر النواب

نشر في: 21 مايو, 2022: 11:16 م

 علي حسين

ماذا سنكتب من مراثي عن شاعر ومناضل بحجم مظفر النواب؟، ماذا نكتب عن رحلة حياة تنقل فيها من منفى إلى منفى، وكان مثل ابن بلاده السياب الذي تمنى أن يموت على سرير في مستشفى عراقي، فمات غريباً في إحدى مستشفيات الكويت، ومثلها انتهت رحلة مظفر النواب على سرير في أحد مستشفيات الإمارات.. ولأننا محبون للسياب وللنواب، فبدلاً من أن نبني مستشفيات ومدارس ومدن للمستقبل، اتهمنا الجميع بالتآمر علينا.

النواب، الذي عاد إلى بغداد بعد غربة خمسة عقود، بذل روحه برمتها في سبيل وطن ظل مطبقاً عليه في الأحداق وفي القلب، شاعر علمنا كيف يكون الإنسان منتصراً على ذاته، والأهم يملك حق الشجاعة الذي يرافقه طوال حياته.

أتأمل تجربة مظفر النواب مع الحياة والسياسة والشعر لاكتشف أن النواب كتب في كل شيء، و أسأل نفسي ما هي القضية الوطنية التي لم يمخر النواب عبابها؟، وأي سنة مرت قبل ان يداهمه المرض ، لم نقرأ فيها صرخة جديدة للنواب؟.

لا أعرف أحداً في الشعر استطاع تحويل الوطن إلى حبيبة جميلة يغازلها في كل زمان مثل مظفر النواب، شاعر حول غربته إلى قصائد ينتظرها العراقيون كل يوم حتى صار النواب بذاته عراقاً كاملاً مفترشاً العالم مخترقاً الحدود مواصلاً النشيد:

يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي

يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق

على ظلمة أيامي

إحمل لبلادي

حين ينام الناس سلامي

هكذا هو النواب الذي ظل قاطناً الشعر، طافحاً بالوطن، لم يتلوّن، ولم تجرفه ألاعيب السياسة، لا يقبل منصباً ولا يرتضي وظيفة سوى الشعر وحب العراق، أعطى نفسه لقضيتين أساسيتين، الوطن والشعر، ومن الصعب أن يحافظ الإنسان في ظروف القسوة والغربة على خصوصيته والتزامه، لكن النواب واحد من قلة صمدوا حيال كل ما هو خارج عن قناعاتهم. يكفي أنه كتب ليكون مظفر النواب فحسب، فشعره لا يحتاج إلى براهين دائمة، متجددة، فبرهان واحد يكفي لأنه شاعر التهمه العراق وقضاياه ، والتهمته هموم الناس ، فحولها الى كلمات ناصعة وصادقة .

ظل النواب يقهر الغربة واضعاً شعره في كل زاوية مثل طائرلا ييأس، ولا يفقد الأمل بأن اللقاء مع الحبيب العراق آت لا محالة، وليؤكد لنا أن الأوطان أبقى من كل الطغاة، أيها النواب القادم من سني الغربة والنضال..

لم يكن مظفر النواب يُدرك أنه سيوحد العراقيين في أغنيته "البنفسج" وأن عيونهم ستدمع كلما يسمعون ياس خضر يقول: " چانن ثيابي عليَ غربه گبل جيتك.. ومستاحش من عيوني".

سلامٌ عليك يوم ولدت.. ويوم تغربت.. ويوم عدت محمولاً على اكتاف محبيك مزهواً بالمجد إلى بغداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد حميد مجيد

    سلام على النواب وعلى كل عراقي محب للعراق وأهله.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

 علي حسين ليس من حق المواطن العراقي أن يعترض على تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يملك أن يشكو من تحول مجلس النواب إلى قاعة للمناكفات السياسية ، ولا يملك أن ينتقد أوجه...
علي حسين

باليت المدى: عندَ اكتمال القمر

 ستار كاووش قيمة السفر تُكمِنُ في مشاهدة أشياء وتفاصيل وأماكن مختلفة، جديدة، نادرة أو ممتعة. أما إذا إجتمعت كل هذه التفاصيل في مكان واحد مثلَ بارك (ديلا ديساتيل) في مدينة ليل، فهنا عليَّ...
ستار كاووش

قناطر: أين نحن من نخيلنا الذي سرقه العالم

طالب عبد العزيز ملء الشاشة تظهر صورة رجل أنيق، بثياب أهل الخليج الصيفية متحدثاً بمعلومات قيمة عن أحوال مزرعته المزدحمة بالنخل والفاكهة، وتظهر في الصورة نخلة من أحد الاصناف المعروفة لدينا، وقد ثقلت بعذوقها...
طالب عبد العزيز

العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية

د. سامان شالي إن مسألة ما إذا كان العراقيون قد فقدوا الثقة في الديمقراطية أمر معقد ومتعدد الأوجه. لقد كانت رحلة العراق نحو الديمقراطية مضطربة، وتميزت بتحديات وانتكاسات كبيرة. يستكشف هذا المقال الوضع الحالي...
د. سامان شالي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram