عبد المنعم الأعسم
فاجأنا سياسي فاسد محترف، وعلم، وملهم، وفخر فاسدين حتى العظم، وصاحب صفقات ورشوات برائحة تزكم الانوف، ومن ابرز واهم واشهر حماة اللصوصية الدولية في العراق، ومَنْ يشار له بعشرة اصابع كراعٍ وحامٍ لتجارة المخدرات واللحم الحرام وليالي القمار، وهو يدخل البرلمان متى اراد من دون حاجة لدعاية باذخة، ويخرج منه من دون ضجيج ولا فضائح ولا نار ولا دخان..
هو اعلى من سيادات البلاد، وارفع من ساريات القضاء، واكبر من اكابر الاسماء في معيار البذخ والمكرمات والمبادرات «الانسانية».. اقول.. فاجأنا هذا الفاسد الذي تخجل منه صفة الفساد نفسها مما المّ بها على يديه بالدعوة الى الاصلاح المالي والاداري (انتباه) والقضائي، وبالقول، ان العراق لن ينهض ويلتحق بمصاف الدول من دون عملية اصلاحية، ومن دون حكماء نزهاء يتولون شؤونه، و»يأخذون بيده» وشاء ان ينشر دعوته في صحيفة اعلانات عربية، ربما نحتاج الى نظرية المؤامرة، ولو مرة واحدة، لنضع خطوطا تحذيرية تحت هذا القول.
وهكذا يلزم ان نمسك انفاسنا الان حيال مؤامرة على الابواب وذلك بعد ان تحولت الدعوة الى اصلاح الدولة من قوانة مملة مُفرّغة من مضامين المراجعة والتمكين واستئصال الفساد الى ما يشبه الاعلان ببدء الهجوم على حركة الاصلاح والاحتجاجات، في وقت ضاع علينا تعيين من هو المصلح والفاسد، او التفريق بين قرارات اصلاحية جوهرية وقرارات «أخرى» بعضها ذو رائحة غير طيبة، فيما اختلط الصح بالخطأ، واللاعب بالملعب، والحكم بالجمهور.
وقبل هذا بسنوات كان كاتب الفاينانشيال تايمز سيمون كير، قد لاحظ خلال متابعاته لقضايا الاصلاح في دول الشرق الاوسط ان اكثر الدعوات الاعلامية الى تحقيق الاصلاح في هذه الدول يتبناها فاسدون محترفون، وان الاعتراضات التي يواجهها الاصلاح تتمثل في تلك الجيوب التي تمسك بمفاتيح مهمة بالدولة، واحسب ان هذه القاعدة، وإن كان المحلل يتابعها في حالة السعودية، تمس الواقع العراقي الراهن، إذ تواجه دعوة الملايين الغفيرة الى اصلاح دولة 2003 وتحقيق العدالة والقصاص من الفاسدين الذين يقبضون على عنق الدولة الدستورية حملة مقاومة وتسفيه تتصدرها منظومة حديدية من المنتفعين واصحاب الدولة الموازية.
وبالنتيجة، صار طلب الاصلاح او الحضّ عليه أو امتداحه بمثابة بالون ملون في سماء عاصفة، او بطر او تسلية للوقت، او في افضل الاحوال تذكير «إن نفعت الذكرى» وانتهى الامر الى ان غلاة الفاسدين ومحترفي السطو، كما هو أعلاه، صاروا اسبق من غيرهم الى ركوب رجز الاصلاح..
وقديما قيل ان بحر الرجز حمار الشعراء لسهولة النظم عليه.
***
عن الحيتان
« انها دابة عظيمة تمنع المراكب الكبيرة عن السير».
كمال الدين الدميري-
صاحب مؤلفات علم الحيوان