علي حسين
عندما بلغ الرصافي الخمسين من عمره، جلس يكتب قصيدة يلخّص بها سيرة حياته، ممزوجة بالألم والحسرات وبالحال الذي تمر به بغداد، كان ذلك أجمل ما كَتب، بعدما غرق طويلاً في تأمّل الفكر،.. قصيدة ويل لبغداد، هي لحظة الكشف عن مأساتنا التي ستستمر عقوداً طويلة بعد هذا التاريخ..
ويلٌ لبغدادَ ممّا سوف تذكرهُ عنّي... وعنها الليالي في الدواوينِ
لقد سقيتُ بفيضِ الدمعِ أربعها... على جوانبِ وادٍ ليس يسقيني
أفي المروءةِ أن يعتزّ جاهلها... وأن أكونَ بها في قبضةِ الهَونِ!
وأن يعيش بها الطرطورُ ذا شَممٍ.. وأن أُسامَ بعيشي جدع عرنيني!
ما هو تعريف الطرطور؟ اتركه لجنابك او اتمنى عليك ان تتذكر قصيدة الجواهري الكبير وهو يخاطب الطراطير : " أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخري تشيعي، تسنني، تهودي، تنصري ، أي طرطرا إن كان شعب جاع أو خلق عري ، أو صاح نهبا بالبلاد بائع ومشتري" . وأبقى مع "ويل" الرصافي وهو يتنبأ بالخراب.. ونحن بلاد تنتقل من ويل إلى ويل.. من ويل الدكتاتورية إلى ويل صخرة الانتهازية.
انظروا ما حل ببغداد من خراب ودمار.. وتابعوا معي حكاية أمناء هذه العاصمة في السنوات الأخيرة، وأتمنى عليكم أن تقرأوا سيرهم الذاتية، لتعرفوا جيداً حجم المهزلة. في آذار عام 1977 تم انتخاب جاك شيراك عمدة لباريس، آنذاك استقال من منصبه كوزير ليتفرغ لمدينته، قال للصحفيين: آمل أن أكون جديراً بمدينة عاش فيها سارتر وتغنى بها فكتور هيغو ، وأعتقد أن هذه الأمنية كانت تجول في خاطر عمدة بغداد الشهير نعيم عبعوب فقد كان يحفظ اشعار الرصافي ويتغنى بكتابات فؤاد التكرلي عن بغداد ، إلا أن الصخرة التي أدخلتها جهات أجنبية تآمرت على مشاريعه لتحويل بغداد إلى مدينة تتفوق على طوكيو.
في كل فشل سياسي وإداري يخرج علينا من يصرخ أنها المؤامرة، ولا بد من أن يشتم الإمبريالية ويحذر من الماسونية، فالفشل كما يراه مسؤولونا هو في تخوين الآخرين، وتحذيرهم.!
المؤسف أن الأخبار الوحيدة التي لا تزال تنقل من هذا البلد، هي أخبار الخلاف على من يحضى باكبر حصة من الكعكة .. وصولات احمد الجبوري " ابو مازن " ومماحكات حنان الفتلاوي.. أما نسبة الفقر التي ضربت ارقاما قياسية ، وانتشار المحسوبية والرشوة ، وغياب جميع أشكال القانون ، وغلق ابواب المستقبل .
اليوم أصبحنا تائهين ونتساءل؛ أيهما أخطر على العراق، مؤامرة الشباب الذين احتجوا على الخراب، أم السيل العارم من المحسوبية السياسية والانتهازية والصراع على المنافع والمناصب وتفشّي البطالة؟ هكذا وفي كل مرة يضعنا ساستنا أمام خيارين لا ثالث لهما،الفوضى أو السكوت .