طالب عبد العزيز
أنا من الموقعين على بيان 3 حزيران(دفاعاً عن حرية التعبير) لأنني من بلاد المفارقات العجيبة، من الارض التي كانت تسمّى العراق، عراق الفلتان والفوضى اليوم، من البلاد التي يستخدم فيها مهربو الحبوب المخدرة والأفيون الطائرات المسيرة،
من بلاد الخارجين على القوانين بقوة السلاح، والموالين لغيرهم علنا وبلا مجاملات، من بلاد الأقوياء المحميين بأسلحتهم، وبأموالهم التي تهرب يوميا داخل وخارج العراق، في العلن والسر، من البلاد التي يُقتل فيها المتظاهر المطالب بالحرية، ويطلق فيها سراح الداعشي المحكوم بالاعدام، من البلاد التي يستقوي فيها صاحب المسدس الكاتم بالمقدّس، ولا استقوي فيها بالولاء والانتماء لها، من البلاد التي يتمكن القاتل فيها من الوصول لي سواء أكنت في البيت أو الشارع، ولا يتعقبه أحد، من البلاد التي تحدد السلطات العليا فيها مصير الشرف والامانة ولا تحدد فيها مصير الخسّة والخيانة.
من البلاد التي تصمُّ التشريعات فيها آذانها عمّن يقف وسط الاسواق ويشتم أعلى رمز في الكون، الذي هو الله، ويُكفر به نهارا جهارا، فلا يستوقفه أحد، لكنها وأحزابها المسلحة تعتقل وتقتل وتقتصُّ من أيِّ مواطن ينال منها، والتعرض الى رموزها أو من تعسفها وظلمها، إشارة أو رمزا، لأنها هي التي تصنع القانون، وتخلع القدسية على من تشاء، وهي الوحيدة مطلقة اللسان واليد فيه، ولها حق الاتهام واصدار الاحكام.
وقعت لأنني المواطن الاول والاخير في هذه البلاد، التي تحددُ مصيرَ حياته فيها البنادقُ التي تحرس الملاهي والمراقص لا القوانين النافذة، وكل ما شرّعَ ويشرَّعُ لصون حياته من القوانين يقف عاجزاً ذليلاً امام شكيمة فصيل مسلح، أو جهة سياسية ما، بل ويتوسلها خانعاً، لكنَّ صاحب الرأي الحر، وانسان المبادئ والموقف النبيل عرضة لتشريعاتها، وغير آمن على حياته إن احتجَّ، أو تظاهر، أو قال كلمة حق، حتى بات يتحسس رقبته عند كل وسادة يضع رأسه عليها، فقد صار يخشى أحلامه، ولا يطمئن الى أوهامه، فهو مجرم في عين القوانين التي تلاحقه، لذا عليه أن يبحث في الثغور عن منفذ يلجأ اليه.
أنا من الذين وقعوا على بيان 3 حزيران (دفاعاً عن حرية التعبير) لأنني من البلاد التي يتحكم بمصيري فيها -عبر تلفونه- القاتلُ في الفصيل المسلح، ومهربُ المخدرات المدعوم بماله، والموظفُ الفاسد بسلطته، من داخل سجونهم، ويتحكمون مصير الضابط في مركز الشرطة، ومن فيه، فهم يملكون حرية التحرك، والاتصال بمن أرادوا، ويتصرفون بأموالهم كما لو أنهم خارجه، وهم محميون بقوة الروابط التي تجمعهم بالسلطة، مشرِّعة القانون، الذي سنَّ وشرعَ من اعيانهم وشيوخهم..
أنا من البلاد التي تنهار يوماً بعد يوم، ويجوع الانسان فيها يوما بعد يوم، ويتراجع التعليم فيها يوما بعد يوم، ولا يجد المريض فيها داوءه، ولا يزرع فيها الفلاح أرضه، ولا يصنع الحرفيُّ فيها حاجته.. من البلاد التي كانت ولم تعد اليوم، لهذه وتلك وقّعت.