عبد المنعم الأعسم
بوجيز الكلام، هو زمن انحطاط قيمي، يتزاحم خلاله اللاعبون على الحبال، الذين يتشبهون باخلاق الثعالب، في غدرها وجبنها وسوء سمعتها، على مفاصل العُقد السياسية، ينهبون مع كل ناهب، وينبحون مع كل نابح، طلبا للوجاهة الفارغة، وسعيا للاثراء الحرام، فيتقلبون مع تقلب الاحوال والانواء والمصالح،
من دون تحسّبٍ لذاكرة الناس والمتابعين للاحداث وارشيف المواقف، ولا تحسبٍ لنتائج انكفاء المسارات والاوضاع، وارتداد الخيارات والاهواء، وفي حال استدارت الاقدار على أعقابها فهم اول من ينزل عن عربات اولياء النعمة منتقلين الى سواها، وآخر من يدافع عن مصائر الحليف والسيّد، وسرعان ما يظهرون على غير ما كانوا، ويتحدثون خلاف ما عُرفوا.
وللحق، ان هذه الشريحة التي تترزق من بيع الولاء والمواقف ترافق المجتمعات المتخلفة وغير المستقرة، وانظمة الاستبداد والدكتاتورية، وقد لعب اصحابها، في مجرى التاريخ الحديث للعراق، ادوارا سياسية واجتماعية خطيرة، وسجلت التقاويم لهم شنائع لا حصر لها، حيث يحتفظ كثيرون بقصص وأدوار ذُكرت في المدونات والادبيات والمحاضر، وقد هجاهم الملا عبود الكرخي اكثر من مرة، ومنها قوله:
لاعِب عالحبل، ومْدبّغ مْعفّص.....الكتف من أين تؤكل تعرف، مرصرص
تِنفضْ سِتَر، تضرب فرش (للملابس) تتبصبص,, وبذيل الوزارة السابقة مجلّبْ
واشتهر اللاعبون على الحبل بصفة الثعلب لجهة مراوغته وغدره وجُبنه واعتماده الحيلة في تصريف شؤونه، والاكثر من ذلك في انتقالهم بين العهود المتعاقبة، وقديما قال طرفة بن العبد:
وصاحب كنت قد صاحبته.............. لا ترك الله له واضحة
كلهم اروغ من ثعلب................... ما اشبه الليلة بالبارحة
ويقول اللغويون “تثعلب الرجل” اذا ما جَبُن وراوغ. وكان الجاحظ خير من رصد مناورات وتقلبات الثعلب في الفصل الذي اورد سيرته بكتاب “الحيوان” بقوله: “إذا طارده الصيادون، تماوت، وزكر بطنه ونفخه، حتى يتوهم من يراه انه قد مات من يوم او يومين، حتى إذا تعداه، وشمّ رائحة الكلاب، وثب وثبة ونجا”.
وفي مدونات الظرفاء ثمة الكثير من الروايات عن دونية اللاعب على الحبل عبر شخصية الثعلب حتى يخجل الناس من قول “عضني ثعلب”. ومرة، عضّ ثعلبٌ شيخا، فاتى راقيا (صيدلي ذلك الزمان) فقال له الراقي: ما عضّك؟ قال الشيخ: كلب (واستحى ان يقول ثعلب) فلما ابتدأ الراقي الرقية (تحضير الدواء) همس الشيخ الى الراقي: واخلط بها شيئا من رقية الثعالب.
وقد تزايدت اعداد الثعالب، من اللاعبين على الحبال، في حياتنا السياسية، وكواليس طبخ الزعامات، هذه الايام، بانتظار العاقبة.. وما ادراك ما العاقبة.
استدراك:
“عندما تقرر أن تكون صديقا لعدوين متصارعين، فتوقع في أي لحظة بركان غضب من أحدهما أو كليهما؟”