ثائر صالح
تحدثت الأسبوع الماضي عن كونشرتو التشلو الضائعة التي ألفها هايدن. واليوم أكمل الموضوع بالحديث عن لقية جديدة لا تقل إثارة عن الأولى من جهة أهميتها في علمي تاريخ الموسيقى والموسيقولوجيا.
الحديث يبدأ في أحد أسواق العتيق العديدة في مدينة فيينا قبل حوالي 20 سنة عندما اقتنى أحدهم مخطوطة مدونة موسيقية قديمة بستين يورو، ليتضح لاحقاً أنها ذات أهمية استثنائية وأثارت ضجة بين المهتمين بالموسيقى القديمة. سرعان ما وصلت المخطوطة مزاد سوذبي الشهير وبيعت سنة 2007 بمبلغ 65300 باون لشخص مجهول واختفت تماماً منذ ذلك الحين. لكن لحسن الحظ، مسحت المخطوطة ضوئياً لتحضير رسالة دكتوراه قبل بيعها، بذلك يستطيع الباحثون والموسيقيون دراسة محتوياتها دراسة بقدر ما تسمح به النسخ، أو حتى تقديمها في حفلات أو تسجيلها، وهو ما يحدث اليوم.
يعود تاريخ المخطوطة إلى العقد الثاني من القرن السابع عشر وتحتوي على تراث غنائي، استعملت المخطوطة في أديرة الراهبات في وحوالي مدينة بولونيا الإيطالية. تشير المخطوطة إلى أسماء المؤلفين في عدد قليل من الحالات، وفي الحالات الباقية وهي الغالبة لا يذكر اسم المؤلف، لذا يعتقد أن مؤلفها هو ناسخ المخطوطة نفسه. لكن من كان الناسخ (والمؤلف)؟ المخطوطة تشير إليه بأحرفه الأولى CG، و يذكر الاسم كاملاً إلا في فهرس الأغاني بصيغة كارلو جـ…، فقد حجب الجزء الباقي من الاسم ببقعة تلوث وقعت عليه. من الممكن قراءة الحروف الباقية بفعل التطور العلمي والتقني الهائل في مجال دراسات المخطوطات اليوم، لكن حجب مالكها المجهول هذه المخطوطة يحول دون ذلك. من المستبعد أن يكون النبيل الموسيقي الشهير كارلو جزوالدو (1566 - 1613) رغم تشابه الاسم. بالطبع لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة من دون فحص المخطوطة بشكل علمي دقيق.
تحتوي المخطوطة 85 قطعة غنائية بمصاحبة الأورغن وفي أحيان قليلة كيتارونة (نوع من أنواع اللوت أي العود) مع كمان، وهي اختزال لأعمال غنائية من عدة أصوات (بين خمسة إلى ثمانية) إلى صوت واحد أو صوتين (دويتّو) أو ثلاثة (تريو). وهذا هو أحد الجوانب المثيرة فيها، فهي تلقي الضوء على تقنيات هذه العملية. الجانب المثير الثاني هو التدوين، فقد دونت بطريقة غير معتادة في ذلك الوقت، كتبت كل النغمات بضمنها القرار المستمر بدلاً من الإشارة إليها برموز تعطي العازف حرية كبيرة في الأداء، بهذا تسمح المخطوطة لنا بالتعرف على الشكل الحقيقي لتقديم الموسيقى في ذلك العصر، هو أمر غاية في الأهمية.
بالإضافة إلى أعمال كارلو جي هناك أعمال مجهولة لآخرين أشهرهم جوليو كاتشيني (1551 - 1618) الذي نُسب لحن آفي ماريا الشهير إليه بينما نعرف بأنه من تأليف عازف الغيتار الروسي فلاديمير فافيلوف المتوفي في 1973. ولا يعرف أي من الأعمال الموجودة في المخطوطة في المصادر الأخرى سوى عمل واحد هو للمؤلف لوكا مارنتسيو (1553 - 1599) طبع في حياته.
توجد بعض التسجيلات لأعمال من هذه المخطوطة أهمها تسجيلات الباحث والموسيقي الإسرائيلي عيلام روتم (ولد في 1985 يقيم في بازل بسويسرا) وفرقته التي صدرت سنة 2017.