TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: تنظيف البرلمان

العمود الثامن: تنظيف البرلمان

نشر في: 21 يونيو, 2022: 12:18 ص

 علي حسين

كان مدهشاً حقاً أن تفوز عاملة النظافة " راشيل كيك " بمقعد في الانتخابات التشريعية الفرنسية ، والمدهش أكثر أن هذه السيدة التي ولدت في ساحل العاج وعاشت شبابها في هذا البلد الفقير قبل أن تقرر الرحيل إلى فرنسا، تفوقت على الفرنسية "الأصل والفصل" روكسانا ماراسيننو مرشحة الرئيس ماكرون وكانت تشغل منصب وزيرة الرياضة.

أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ديمقراطية المرحوم فولتير، وبين ديمقراطيتنا العرجاء ، لكنني أحاول القول إنه لا شيء يحمي الدول من الخراب سوى برلمان حقيقي، لا دكاكين تباع وتشترى بها المناصب. لم تنته حكاية السيدة راشيل كيك، فقد تحدثت لوسائل الإعلام قائلة : هذا الانتصار تاريخي، مشبهة ما حصلت عليه بكأس العالم، ثم أضافت : أعتقد أن مهمتي الحقيقية هي تنظيف الجمعية الوطنية .

في كل عام عندما تحين ذكرى المهاتما غاندي يخط آلاف الهنود على ملابسهم عبارة "أنا إنسان عادي" وهي كلمات كان غاندي قد أطلقها في وجه بريطانيا عندما كانت دولة عظمى.. العبارة يرفعها شباب وضعوا لهم هدفاً رئيساً هو محاربة الفساد، المدهش في الأمر أن هؤلاء الشباب اتخذوا من المكنسة شعاراً لحملتهم التي تهدف إلى كنس المفسدين والسراق ونهّازي الفرص.

لا أعتقد أن هناك من لا يتذكر صورة الرجل النحيف الذي قال لأعدائه ذات يوم: "لقد عرفت القانون وجربته فنجح أعظم نجاح، ذلكم هو المحبة ".

هذا العام، ستمر تسعون عاماً على قرار غاندي البدء بالصيام احتجاجاً على التمييز ضد المنبوذين الهنود، كان غاندي يقول لمرافقيه إن هذا الصيام سيكون الخطوة الأولى في تحقيق الحلم بهند تنبذ العنف وتسعى للحرية...

اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس: "إني أوثر الانتظار أجيالاً وأجيالاً، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة". يتكرر في بلاد الرافدين مشهد أصحاب الشعارات دون أي تغيير، مجرد إضافات جديدة، ولا يزال معظم السياسيين يخبروننا كل يوم أننا الشعب الأول في مجال الحريات والاستقرار والازدهار والتنمية، وينسون طبعاً أن يضيفوا إلى قائمة الامتيازات، القتل والفساد وسرقة مستقبل المواطن.

ما أحوجنا اليوم إلى شباب يرفعون المكنسة شعاراً ويواصلون إرثاً ثقافياً بغدادياً بدأه قبل ثمانية عقود شيخ الساخرين العراقيين "ميخائيل تيسي" الذي أصدر أول صحيفة عراقية فكاهية أسماها "كناس الشوارع" أراد من خلالها انتقاد العادات والنواقص في الناس والمجتمع، فاختار لها المكنسة التي قرر ان يرفعها في وجه الانتهازية والخراب ، عسى أن نسعى ذات يوم الى تنظيف برلماننا " العتيد " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram