عبد المنعم الأعسم
المشكلة الإضافية التي تواجهها الأزمة السياسية العاصفة تتمثل في اندفاع سياسيين تحدّروا عن مصادفات القدر إلى الزعامة والتزعم عبر تحشيد الأعوان من القبيلة والعائلة والأجراء للإيحاء أنهم يمثلون الرأي العام،
فيصطف أنفار من هؤلاء الأخيرين على جانبي الطريق الذي يمرّ خلاله "زعيم الصدفة" ويهللون ويكبرون لافتين نظر المارة (أو مثيرين لسخريتهم) إلى المنقذ الذي سيلوي أعناق السباع، ويجمع ما بين حركة الأنواء تحت لواء قواته الضاربة.. وليس في الأمر سرًا بأن لهذا الهوس حسابات في السياسة والنافذين فيها وأخرى في المال الحرام، وثالثة في التسويق إلى خارج الحدود.
على سطح هذه الظاهرة المنحرفة، الدراماتيكية، كلام كثير عن شروط الزعامة والتزعم، كمفصل من مفاصل علم السياسة الذي يؤكد على الأهلية الذاتية والتفويض الشعبي، وعمق المعارف في الأزمات وحلولها، والبراءة من الولاء للدول والمشاريع الخارجية، أو قل البراءة من ظنة الميل إلى مشاريع متصارعة، وثمة في تجارب الزعامات التاريخية العالمية مجلدات من الكتب عن أشخاص شبّوا من قاع المجتمع إلى الصف الأول من دون رديف قبـَلي أو منهوبات مالية أو رصيد طائفي، وثمة دول وشعوب قدمت للبشرية أمثلة ساطعة، الهند مثلا، إذْ كانت تشبه حالنا الآن من وجوه كثيرة، سوى أن هناك زعيمًا ملهمًا يأكل من معزة ترافقه أينما حل، ولم يكن ليحتاج إلى حمايات وسيارات مصفحة تفتح له الطريق، فيما كانت على أراضي الهند (آنذاك) أقوى دولة استعمارية في العالم، وكان السكان وأتباع الطوائف المحلية والأحزاب التي تنتحل تمثيلهم، كما هو الحال عندنا، يمارسون العنف كل من موقعه وذرائعه.
ربما نحتاج إلى دورة في التاريخ (الدورات التاريخية قد تكون قصيرة جدًا) لكي نكتشف حينها بأن العراق كان قد غط في غيبوبة مخيفة حين تصدّر مسرح السياسة أصحاب سلاح ومليشيات ومهربو مخدرات ولصوص دوليون وجهلة وأمّيون ومناهضون للثقافة والفن، وأداروا منه أقدار البلاد والعباد، وقُدموا إلى صفحات التاريخ كزعماء بلاد علمت البشرية القراءة والكتابة وفنون إدارة الأقدار. أما نحن، شهود مرحلة صعود زعامات الصدفة، فستلقي أجيال ذلك الزمان البيض الفاسد على أسمائنا لأننا كنا في موقف المتفرجين الساكتين على فصول هذه المسخرة.
استدراك:
"لا أعتبر نفسي فتاة فقيرة صعدت إلى الشهرة. أرى نفسي شخصًا عرف منذ وقت مبكر أنه مسؤول عن نفسه، لذا عليه أن ينجح".
أوبرا وينفري