علي حسين
تأملوا المشهد جيداً: أميركا منشغلة بأوكرانيا، وبايدن لا يتذكر أن هناك بلداً اسمه العراق، إيران لا تزال مصرّة على أن الساحة العراقية ساحتها، أولاً وأخيراً، تركيا تصول وتجول بطائراتها ومدفعيتها، الساسة يشتمون الإمبريالية لأنها تتآمر عليهم، وبين الحين والآخر يضعون توابل من عينة مؤامرة الإمارات، وطمع السعودية بالعراق، فيما المواطن العراقي تدور في ذهنه أسئلة مصيرية:
هل ستقف إيران مع ولاية جديدة للسيد نوري المالكي؟ أم أنها فقط ستتفرج؟ هل هناك أمل في أن تتغير خارطة التحالفات السياسية؟ هل ستظل إرادة العراقيين معتقلة داخل أسوار الطائفية والإحساس بالخطر من الآخر؟
لعل تجربة الأعوام الماضية أثبتت حقائق كثيرة، أهمها أن مسؤولينا لا يملكون ما يقدمونه لمستقبل البلاد، حتى لو راهنوا على مخاوف الناس واحتياجهم الدائم للأمن، فهم يملكون فقط القدرة على التخريب والتدمير والتعطيل والعرقلة، وسرقة المال العام وإفساد الذمم.
والأمر ذاته حدث في ما يخص الأمن، إذ يجري كل يوم إذلال المواطنين اقتصادياً وامنياً وأحاطتهم بحزام مرعب من الخوف وفقاً لنظرية الانفلات الأمني في حالة غياب القيادة الحكيمة، بما لم يترك مجالاً لأحد كي يفكر في موضوع الخدمات والإصلاح السياسي. وبمعنى آخر يحاول البعض أن يجعل من الاستقرار ثمناً للحصول على فرصة أخرى لحكم البلاد.
لقد عاش العراقيون خلال الدورات البرلمانية السابقة تجربة غاية في الرداءة من احتكار السلطة على أيدي أفراد معدودين.. ولم تكن الناس تتوقع أن يتكرر الفشل مع كل دورة برلمانية جديدة ، ومن أجل أن لا يتكرر هذا المشهد ثانية مطلوب من الناس عدم الوقوف مرة أخرى في موقع المتفرج الذي ينتظر ماذا ستهدي إليه الأيام.. ولهذا لا يمكن الوقوف سلباً، بينما تستعيد دولة الخراب موقعها في الحكم، والسيطرة على المجتمع.
هذه لحظة مواجهة إما أن تبقى القوى السياسية، التي عاثت خراباً وفساداً، مسيطرة على السلطة، وإما أن تبحث الناس عن بديل حقيقي يلبي مطامحها في بناء بلد معافى، أو أن يساق الشعب إلى ثنائية "الفشل- الخراب "، ويعود تشكيل الحكومة من جديد وفق نظرية "المحاصصة " لنغرق من جديد في دوامة دولة الفشل الكبير.
على العراقيين أن يدركوا أنّ العديد من أطراف اللعبة السياسية يفتقرون إلى الكفاءة والقدرة ويبحثون عن طريق للعودة إلى السلطة والحكم، أو إلى نفوذهم القديم بكل ما يملكون من قوة وقدرة في اللعب على مشاعر قطاعات واسعة من شعب يهرب من الابتزاز باسم الدين، إلى الابتزاز باسم الأمن والخوف والفقر..
أتمنى ومعي ملايين العراقيين ألا يشغلنا الساسة الذين اثبتوا فشلهم في ادارة البلاد بتصريحاتهم الغريبة، لا نريد منهم أن ينزووا في ركن قصيّ، أو يختفوا تماما من المشهد، ولكن فقط أن يحسنوا صنعاً ويصمتوا.