ثائر صالح
أود اليوم أن أنقل إليكم ما كتبه لي الفنان الراحل إحسان أدهم (1934 - 2019) عن دور الموسيقي الألماني الكبير هانس غونتر مومر في قيادة فرقتنا السيمفونية الوطنية العراقية لسنوات وفي عدة مراحل صعبة. وكنت قد كتبت عن مومر في المدى قبل ست سنوات عرفاناً بدوره البارز.
يقول المرحوم الأستاذ إحسان أدهم:
“في عام 1964 كانت الرغبة في إعادة تشكيل الفرقة السمفونية الوطنية العراقية بعد توقفها عن العمل في عام 1963، تم التعاقد والاتفاق مع مومر فبدأ اتصالاته مع الموسيقيين من أساتذة الموسيقى في المعهد والطلبة المتقدمين في قسم الموسيقى وكذلك من خارج المعهد، في البداية تم تشكيلها من الآلات الوترية لاكتمال عدد العازفين ثم تدريجياً اكتملت الفرقة بالعازفين من الآلات الهوائية وآلات الإيقاع بعد الاستعانة بعدد من الموسيقيين العازفين على الآلات الهوائية من مديرية الموسيقى العسكرية وكانت التدريبات تجري عادة في المساء واستمر العمل لغاية أواخر عام 1966 حسب ما أتذكر، وتوقفت الفرقة عن العمل بسبب صعوبات مالية.
في عام 1969 اتجهت النية من جديد لإعادة تشكيل الفرقة برغبة وبتشجيع من أعضاء الفرقة تبنت وزارة الثقافة والإعلام مرة أخرى إعادة تشكيل الفرقة السمفونية الوطنية العراقية على أسس ادارية ومالية جديدة وتم التعاقد مع الراحل مومر لتولي قيادة الفرقة ثانية (على أسس الفرقة شبه محترفة، موسيقيون محترفون وهواة). واستمر مومر في عمله لمدة سنة واحدة وبجهد استثنائي في بناء وقيادة الفرقة بشكل يفوق الإعجاب والتقدير. الأعمال التي وزعها أوركسترالياً هي مختارات من التراث الموسيقي والغنائي العراقي:
1- سماعي من مقام اللامي تأليف الموسيقار والناقد الموسيقي الراحل عبد الوهاب بلال (أوركسترا كاملة)
2- أغنية عراقية مروا بينا من تمشون (أوركسترا كاملة)
3- سويت من عدة حركات على لحن - فوق النخل فوق - في البداية وزعها للأوركسترا الوترية ثم بعد فترة أكمل توزيعها للأوركسترا بكامل الآلات الموسيقية. وقدمت للجمهور العراقي من خلال مناهج الحفلات الموسيقية في فترة مومر ومن بعده أيضاً. نوتات السكور الأوركسترالي والآلات الموسيقية موجودة في أرشيف الفرقة السمفونية العراقية، أما تسجيل الألحان الموزعة من قبل مومر وقيادته فهي محفوظة في تسجيلات الفرقة السمفونية العراقية وعند صديقي العزيز الفنان الموسيقار منذر جميل حافظ ببغداد وكنا نسجل حفلات الفرقة مباشرة من القاعة على جهاز كروندك - شريط من نوع البكرة.
يجدر الإشارة هنا أن رغبة مومر قد حققها بالتعاون مع الفنان الموسيقار الراحل جميل سليم (منوط وموثق جيد للألحان والموسيقى الشرقية والعربية) فتركنا الأمر للمرحوم جميل سليم أن يختار ما يراه مناسباً من الألحان لتوزيعها أوركسترالياً. للتأريخ اسجل هذا الدور المتميز للفنان الموسيقار المرحوم جميل سليم. فقد هيأ لنا مجموعة من الألحان التراثية العراقية واختار مومر الألحان الثلاثة التي ذكرتها، وأتذكر أن مومر عندما استقر في أستراليا كان يراسل صديقي العزيز الفنان الموسيقار باسم بطرس، وقد أخبر مومر باسم بأنه سجل هذه المجموعة من الألحان العراقية وبتوزيعه الكترونياً واحتفظ بها إعتزازاً بذلك.
أما انطباعاتي عن القائد الراحل مومر، فهو موسيقار قدير وكان يمتاز بخلق وأدب رفيع واستاذ ومعلم متمكن من أدواته الفنية وأسلوب عمله في القيادة وله أذن موسيقية حساسة جداً لأي خطأ يحصل في الأداء الموسيقي ومن أية آلة موسيقية كانت، أعطانا دروساً لا يمكن نسيانها في أسلوب العزف الجيد في الأوركسترا وكذلك في الثقافة الموسيقية العالمية الواسعة. وأنا أعتبره شخصياً الأب الروحي المعاصر للفرقة السمفونية الوطنية العراقية.
بجانب عمله كقائد للفرقة السمفونية الوطنية العراقية في فترة أواسط الستينات من القرن الماضي، شكل مومر أوركسترا وترية خاصة سماها فرقة بغداد الوترية لموسيقى الصالة Baghdad Chamber Orchestra واتذكر قدمت أول حفلاتها على قاعة الشعب وأعاد الحفلة في مدينة البصرة. والمنهاج كان: -
كوريللي - الكونشيرتو الكبير للوتريات. جين ميسون - مغنية سوبرانو إنكليزية - هاوية غناء - (أستاذة الأدب الإنكليزي في كلية البنات سابقاً ببغداد) قدمت بعض الآريات الغنائية المختارة مع الأسف لا أتذكر أسماء المؤلفين. برامس - سيراند للوتريات.
وقد توقفت الفرقة الوترية عن العمل بعد انتهاء عقد مومر”.