TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: تسريبات

العمود الثامن: تسريبات

نشر في: 17 يوليو, 2022: 11:48 م

 علي حسين

لماذا يريد البعض من الإعلام أن يبقى أسيراً للروايات الرسمية؟، وأن يتحول إلى مجرد "طنطنات" فارغة ومملة؟.. حيث لا مكان للحقائق والأرقام والأحداث، المطلوب فقط تكريس الافتقار للمعلومة، وجهل مقيم وخديعة مستمرة للناس.. بعد عقود اكتشف الغرب من رصيد الحروب ومآسيها، أن زمن الابتزاز والسقوط وشراء الذمم قد ولى.. وأدركت الجمهوريات الحديثة، أنه لم يعد مسموحاً أن يرفع الإعلام شعار "غوبلز" الشهير: "إكذب.. ثم إكذب حتى يصدقك الناس".

هل المطلوب من الإعلام أن يقدم أنصاف الحقائق؟، ويسمح للشائعة أن تكون بديلاً عن الخبر اليقين؟.. يرد الصحفي الامريكي الشهير "بوب وورد" على متهميه بإفشاء أسرار تتعلق بالأمن القومي بعد كشفه لفضيحة ووترغيت، قائلاً: "إن ثمة طريق واحد للإعلام الصحيح وهو الشجاعة وليس الاستمرار في إغراق الناس بوحل الأكاذيب".

لماذا لا ساستنا الإيمان بأن الإعلاميين بلغوا سن الرشد ولم يعودوا بحاجة إلى كتيب يتضمن "وصايا القائد"؟، فالإعلام في العالم تطور وأصبح اليوم سلاحاً فعالاً في تنمية العقول، لا مكان فيه لتحويل الأكاذيب إلى حقائق، ولم تعد محاولة إعادة "قناة 9" بالأبيض والأسود مجدية.. والناس لم تعد مجبرة على متابعة جولات القائد في مطابخ العراقيات، فلا مكان لنشرة الساعة التاسعة.. لأن نشرات الأخبار الحقيقية صارت ترافق الناس في مكان عملهم وغرف نومهم، ومعها كل ما يدور في أبعد نقطة من العالم

فصول معارك بعض السياسيين مع الاعلام لا تزال متواصلة حين يطلب من ال الاعلامي أن يخفي نصف الحقائق حتى لا يتعرض إلى مساءلة القانون، ولا يتعرض المصدر لغضب أصحاب القرار، اليوم لا يستطيع الصحفي، مهما علت درجاته، أن يدخل قاعة اجتماعات مجلس النواب أو إحدى غرف اجتماعات الكتل السياسية . وأقصى ما يحصل عليه الصحفي بيان أو تصريح مقتضب يقول "اجتمعت الكتلة الفلانية، وطرحت المسألة الفلانية، وحضرها المسؤول المختص".. وكان الله عالماً بالأسرار. والسبيل الوحيد إلى أن يتصل الصحفي بأحد المسؤولين هو أن يسترضي مكتبه الإعلامي ويحلف أغلظ الإيمان بأنه لن يحرج السيد المسؤول بأسئلة مشاغبة. هذه الأمثلة تكفي لكي نسأل بعدها، أليست المسافة واسعة جداً بين الإعلام ومؤسسات الدولة؟!

يدرك العراقيون جيداً أن الحرب الدائرة اليوم هي حرب السياسيين أنفسهم، وأنهم وحدهم يريدون أن يحولوا البلاد "مسلخاً" تُعرض فيه الجثث، ومختبراً لخطبهم وسرقاتهم وحروبهم الطائفية، مسلحين بالمال وبخطاب مقيت يحرض على حرق البلاد، فيما يواصلون إلقاء المسؤولية على الإعلام .

لماذا يتوهم ساستنا أنهم حراس هذا الوطن والساهرون على أمنه واستقراره وأنهم أعمدة الخيمة العراقية ومن ثم تصبح مناقشتهم والاعتراض على ألاعيبهم ونزقهم نوعاً من التجديف، ومعارضتهم نوعاً من الخيانة الوطنية، والمطالبة بالإصلاح السياسي وتقديم الخدمات ومحاسبة الفاسدين أقرب إلى الزندقة والكفر وتخريب الأوطان؟ .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram