علي حسين
لماذا يريد البعض من الإعلام أن يبقى أسيراً للروايات الرسمية؟، وأن يتحول إلى مجرد "طنطنات" فارغة ومملة؟.. حيث لا مكان للحقائق والأرقام والأحداث، المطلوب فقط تكريس الافتقار للمعلومة، وجهل مقيم وخديعة مستمرة للناس.. بعد عقود اكتشف الغرب من رصيد الحروب ومآسيها، أن زمن الابتزاز والسقوط وشراء الذمم قد ولى.. وأدركت الجمهوريات الحديثة، أنه لم يعد مسموحاً أن يرفع الإعلام شعار "غوبلز" الشهير: "إكذب.. ثم إكذب حتى يصدقك الناس".
هل المطلوب من الإعلام أن يقدم أنصاف الحقائق؟، ويسمح للشائعة أن تكون بديلاً عن الخبر اليقين؟.. يرد الصحفي الامريكي الشهير "بوب وورد" على متهميه بإفشاء أسرار تتعلق بالأمن القومي بعد كشفه لفضيحة ووترغيت، قائلاً: "إن ثمة طريق واحد للإعلام الصحيح وهو الشجاعة وليس الاستمرار في إغراق الناس بوحل الأكاذيب".
لماذا لا ساستنا الإيمان بأن الإعلاميين بلغوا سن الرشد ولم يعودوا بحاجة إلى كتيب يتضمن "وصايا القائد"؟، فالإعلام في العالم تطور وأصبح اليوم سلاحاً فعالاً في تنمية العقول، لا مكان فيه لتحويل الأكاذيب إلى حقائق، ولم تعد محاولة إعادة "قناة 9" بالأبيض والأسود مجدية.. والناس لم تعد مجبرة على متابعة جولات القائد في مطابخ العراقيات، فلا مكان لنشرة الساعة التاسعة.. لأن نشرات الأخبار الحقيقية صارت ترافق الناس في مكان عملهم وغرف نومهم، ومعها كل ما يدور في أبعد نقطة من العالم
فصول معارك بعض السياسيين مع الاعلام لا تزال متواصلة حين يطلب من ال الاعلامي أن يخفي نصف الحقائق حتى لا يتعرض إلى مساءلة القانون، ولا يتعرض المصدر لغضب أصحاب القرار، اليوم لا يستطيع الصحفي، مهما علت درجاته، أن يدخل قاعة اجتماعات مجلس النواب أو إحدى غرف اجتماعات الكتل السياسية . وأقصى ما يحصل عليه الصحفي بيان أو تصريح مقتضب يقول "اجتمعت الكتلة الفلانية، وطرحت المسألة الفلانية، وحضرها المسؤول المختص".. وكان الله عالماً بالأسرار. والسبيل الوحيد إلى أن يتصل الصحفي بأحد المسؤولين هو أن يسترضي مكتبه الإعلامي ويحلف أغلظ الإيمان بأنه لن يحرج السيد المسؤول بأسئلة مشاغبة. هذه الأمثلة تكفي لكي نسأل بعدها، أليست المسافة واسعة جداً بين الإعلام ومؤسسات الدولة؟!
يدرك العراقيون جيداً أن الحرب الدائرة اليوم هي حرب السياسيين أنفسهم، وأنهم وحدهم يريدون أن يحولوا البلاد "مسلخاً" تُعرض فيه الجثث، ومختبراً لخطبهم وسرقاتهم وحروبهم الطائفية، مسلحين بالمال وبخطاب مقيت يحرض على حرق البلاد، فيما يواصلون إلقاء المسؤولية على الإعلام .
لماذا يتوهم ساستنا أنهم حراس هذا الوطن والساهرون على أمنه واستقراره وأنهم أعمدة الخيمة العراقية ومن ثم تصبح مناقشتهم والاعتراض على ألاعيبهم ونزقهم نوعاً من التجديف، ومعارضتهم نوعاً من الخيانة الوطنية، والمطالبة بالإصلاح السياسي وتقديم الخدمات ومحاسبة الفاسدين أقرب إلى الزندقة والكفر وتخريب الأوطان؟ .