TOP

جريدة المدى > عام > عـواطـف نـعـيـم:المسرح العراقي ملتزم فكريا ووطنيا لكنه مسرح منفتح على الثقافات الإنسانية

عـواطـف نـعـيـم:المسرح العراقي ملتزم فكريا ووطنيا لكنه مسرح منفتح على الثقافات الإنسانية

نشر في: 18 يوليو, 2022: 10:41 م

ترى أن المسرح هو الاسرة الحاضنة الاولى والمؤسس لما جُبلت عليه وسعت لتكونه

حاورها: علاء المفرجي

القسم الاول

اذا كنا نصنف تسمية ممثلاتنا العراقيات طبقاً للمراحل التاريخية التي عملوا بها أو بطبيعة الأدوار التي ادّينها منذ بداية الخمسينيات وحتى الآن،

نجد أن اللواتي بدأن مع بداية النشاط الدرامي في العراق(سينما، مسرح، تلفزيون) كانت تسعفهن جرأتهن في الدخول الى هذا الميدان، درجة تراجعت فيها الكفاءة الادائية لهن لصالح هذه الجرأة، في مجتمع كان يفرض قيوداً جمة على المرأة، فكان وجود المرأة على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا يغطي على جميع العناصر الواجب توفرها في الأداء. أما الجيل الذي تلاه فقد حظي بالتقدير وبالاعتراف بهن مفاعلات في المسرح.. ومن هؤلاء الممثلات تبرز بشكل واضح الفنانة عواطف نعيم، والتي شغلت لها مكاناً في الفن العراقي على مدى خمسين عاما.

ولدت ودرست في بغداد، حيث نالت الدبلوم من معهد الفنون الجميلة ثم البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من كلية الفنون الجميلة، لا يختلف اثنان على حضورها الباهي في المسرح العراقي، تأليفا واخراجا وتمثيلا، وكتابة النقد.. قدمت الكثير من الاعمال المسرحية تأليفا، حيث قدمت أعمالا مهمة لمخرجين عراقيين كبار أمثال المخرج (عزيز خيون)، و(كاظم النصار)، و(اقبال نعيم).. وغيرهم كما عملت ممثلة تحت إدارة أساطين المسرح العراقي امثال الكبير (إبراهيم جلال) و (سامي عبد الحميد) و(قاسم محمد) والراحل العملاق (عوني كرومي) و (صلاح القصب) و (فاضل خليل) و (محسن العزاوي) وأيضا (عزيز خيون).

التقتها (المدى) في هذا الحوار

 لكل نجاح أرضية صلبة ارتكز عليها، ليبأ رحلة الحياة.. ما كانت شكل هذه الرضية التي تغذت منها موهبة عواطف نعيم في النشأة الاولى؟ هل تحدثينا عن المؤثرات والمراجع في طفولتك؟

- النشأة الاولى والحضن الاول هو الاسرة التي تربيت بين أحضانها الام بكل ما تحمل من حنان و فيض طيبة وقدرة مدهشة على قص الحكايا وجد يعمل حارسا لمقبرة الغزالي. تميز بروح المرح والنكتة ونسج الحكايا وخلق عوالم من السحر والمتعة وانا اتمدد أمنة ومبهورة الى جواره في ليل مقبرة الغزالي التي كان يحرسها وخالات جميلات يدرن في البيت مثل فراشات يحلمن ويتحاورن وتتصاعد من خلف جدران غرفهن اصوات القهقهات البريئة والاحاديث الشيقة وكنت انا أدور بينهن مدللة وعزيزة احيانا يعاملنني كما لو كنت صبيا صغيرا واحيانا يتذكرن اني أنثى ينبغي ان تعامل بشكل اخر فيضعن على خدودي فرش الحمرة ويكحلن عيوني ويفردن شعري خلف ظهري، وهناك بيت الخبازة نورية التي اذهب لجلب الخبز منها لبيتنا حين تكلفني امي واستمع الى صوت غناء خافت لاحدى بناتها العانسات رغم جمالهن وهي تردد كلمات في العشق وانتظار الحبيب، وصيد العصافير وشي البصل مع رفقتي من صبيان المحلة بوصفي صبيا كانت تحلم به اني لكنه جاء انثى فأغفلت أنوثتها والبستها ملابس الصبية، عوالم من سحر ومرح وسوالف مترعة بالحب نهلت منها منذ طفولتي وخزنتها في ذاكرتي حفظتها منذ الطفولة وعشق للكتب ولاسيما مجلات الاطفال والقصص الملونة ثم الكتب التي فتحت امامي عالما من بوابات عجب وإبهار ومتعة كان لها اثر كبير في شحذ مخيلتي وتفعيل اشتغالي واهتمامي بمحاكاة الاخرين وتقليدهم وتحويل انظار الاسرة نحوي، الاسرة هي الحاضنة الاولى والمؤسس الاول لما جُبلت عليه وتوجهت نحوه وسعيت لأكونه..

 نبدأ من انشغالك الاخير وهو اعداد مسرحية عن تشيخوف؟ هل ما زال تشيخوف الموضوع المفضل لكتاب المسرح.. ولماذا؟ حدثينا عن ذلك

- أحببت الكاتب الروسي الكبير تشيخوف وعشقت كتاباته منذ اول كتاب قصصي له امسكت به بين يدي حين تم تكليفي في المدرسة المتوسطة بان اكون أمينة مكتبة المدرسة إذ فتحت امامي ابواب العالم المتنوعة في توحهاتها فقد كانت مدرسة متوسطة النهضة للبنات تملك كنوزا من الكتب القيمة في الادب الروسي والادب العربي وفي الشعر والفقه والتراث الشعبي، تشيخوف استحوذ على اهتمامي فتعلقت بما يكتب لذا حين بدأت خطواتي الاولى في الكتابة كانت مع قصة الالم وهي واحدة من قصصه القصير قمت بإعادة القراءة لها وحولتها الى نص مسرحي حمل عنوان (لو) وهي اول تجربة لي في الكتابة للمسرح وتولى إخراحها الاستاذ عزيز خيون وحين تم عرضها في منتدى المسرح في العام 1987 اعتبرت واحدة من العروض المسرحية العراقية المهمة في المسرح العراقي وفازت بجوائز عديدة على مستوى الاخراج والتمثيل والكتابة. وتوالت النصوص التي قرأت فيها اعمالا قصصية لهذا الكاتب العميق في إنسانيته والجريء في طروحاته فكانت مسرحية (مسافر زاده الخيال) عن قصة عنبر رقم سته والتي اخرجها الاستاذ عزيز خيون وعرضت في مهرجان الاردن المسرحي للعام 1994 ومسارح برلين للعام 2005 ولم يكتب لها ان تعرض في بغداد وكذلك مسرحية (ابحر في العينين) وهي قراءة مغايرة ومشاكسة لأغنية التم والتي تم عرضها في مهرجان المسرح الاردني وفي مدن مختلفة في إيطاليا كما قدم النص في مهرجان الشارقة المسرحي ًوحصد العمل جوائز المهرجان وكان العمل حين تقديمه في الاردن وفي إيطاليا من قبل اتحاد الفنانين العرب. من إخراج الاستاذ عزيز خيون وتمثيل الكبير سامي عبد الحميد والفنان اليمني صفوت الغشم وحين قدم في الشارقة كان من تمثيل الفنانين الامارتيين عبدالله راشد وعبد الله مسعود

واللذان حصدا جوائز التمثيل وحصد العرض أيضا جائزة أفضل عرض مسرحي.، قدمت وقرأت نصوصا لتشيخوف لما يمتلكه من قدرة على مناقشة الروح الانسانية ولما يمنحه للعمل من حس إنساني عالٍ كما قدمت له أيضا (نهار ساخن) عن القصة القصيرة (العطسة) قدمت في مهرجان الشارقة وأخرجها الاستاذ عزيز خيون، وكذلك مسرحية (حلم مسعود)عن القصة القصيرة (كلب الجنرال) وقد قدم العرض من على خشبة المسرح الوطني وكان من إخراجي ً.، تشيخوف مثل شكسبير في خلوده وقدرته على مناقشة التأريخ وتحولاته عبر الانسان وعلاقته بذاته ومع الاخر لأنه ناقش عبر كتاباته هموم الانسان وتطلعاته ورغبته في الحرية والحب كان واحدا من الكتاب الذين تصديا للاستبداد والتفرد وسعيا لنشر قيم العدالة وحقوق الانسان لذا هو يمتلك خلوده وحضوره ولأعماله القدرة على ان تكون متواجدة ومؤثرة في كل زمن تعكس ما يمّور داخل النفس البشرية والتي هي البذرة الاولى والوعي الاول في التكوين المجتمعي، لذا كرمتني جامعة موسكو بشهادة تقديرية لتعريفي بأدب تشيخوف حملها لي مع رسالة شكر أحد طلبة الدراسات العليا في جامعة موسكو والذي كان يكتب عن تشيخوف وكيف تمت قراءة أعماله عراقيا في المسرح والذي يمثل الادب الروسي بكل تجلياته تعبيرا من الجامعة عن تقديرها ودعمها لي في تقديم منجزي الابداعي، ما زلت اتعامل مع تشيخوف والان أتهيأ لتقديم عمل جديد مستمد من أحد نصوصه ولكن بقراءة عراقية ساخرة تتناسب مع الواقع العراقي في تقلباته وكوميدياه السوداء التي يعيشها...

 خلال مسيرتك الطويلة في المسرح حصلت على التكريم والجوائز العديدة، نبدا ايضا من آخرها كما أظن، وهو تكيرم وزارة الثقافة الفرنسية لك بوسام الفنون والاداب.. ماذا يعني هذا التكريم بالذات؟ ما الذي عنت لك به الجوائز الكثيرة التي حصلت عليها.

- التكريم هو بمثابة التفاتة اعتزاز واحترام على كتف المبدع وهو حي تؤكد له ما حققه من نجاح وتأثير وحضور وتبارك له ذلك الابداع، التكريم والجوائز هي بمثابة تثمين وتقييم لمكانة المبدع صاحب ذلك التميز لذا فهي جميلة لأنها تمنح المبدع المكرم حافزا للتواصل والسعي والاجتهاد لتقديم الأفضل الذي يصب في رسالة الفن السامية في التوعية والتنوير وإشاعة روح الخير والمحبة بين المتلقين والمهتمين، لقد كرمت في بلدي من مؤسسات ومن وزارة الثقافة العراقية لأكثر من مرة ما قبل الاحتلال الامريكي للعراق عن أعمال قدمتها ونالت جوائز الابداع في المسرح العراقي ولكن الدولة العربية التي كرمتني حقا وفتحت لي أحضانها دون أن تسألني عن ميولي وعن توجهي الفكري وعقيدتي هي تونس أذ كرمتني في العام ١٩٩٤ في مهرجان قرطاج المسرحي كفنانة عراقية متميزة ثم كرمتني في العام ٢٠٠٧ كفنانة عربية متميزة ثم منحتني جائزة أبو القاسم الشابي للتأليف المسرحي والذي كان يضم ٤٩ كاتبا عربيا دخلوا معي دائرة التنافس، ثم عادت وتوجّتني كفنانة عربية مبدعة مؤلفة ومخرجة وممثلة وناقدة في العام ٢٠٢١ في مهرجان قرطاج المسرحي وهو أعلى وسام يمنح لفناني المسرح، ثم قامت وزارة الثقافة الفرنسية بمنحي أرفع وسام بدرجة فارس هو وسام الثقافة والآداب في ٢٧ / ٣ / ٢٠٢٢ وُيعد هذا تقييما أوروبيا مهما لفنانة عراقية قرأت الأدب الفرنسي وقدمته عراقيا في ستة عروض مسرحية مهمة حلّق بعضها ليمثل المسرح العراقي في مهرجانات الإمارات والجزائر ومصر وتونس وبعضها الاخر أضاء خشبتي المسرح الوطني ومسرح الرشيد وكل هذه العروض كانت بدعم من المعهد الفرنسي في العراق إنتاجيا وكانت جامعة موسكو قد كرمتني هي الأخرى بشهادة تقديرية خاصة لتعريفي وقراءتي لأعمال الكاتب الروسي الكبير تشيخوف، وهذا جعلني أتسأل : لماذا لم تكلف نقابة الفنانين العراقيين واتحاد الأدباء ووزارة الثقافة وكلية الفنون الجميلة ولجنة الثقافة والاعلام في البرلمان نفسها لتوجه لي المباركة وتحتفي بي كما فعلت المغرب مع الراحلة ثريا جبران وكما فعلت بيروت مع الكبيرة فيروز حينما نالتا هذا الوسام؟ لكن قناة الشرقية كان لها موقف جميل إذ روجّت للخبر وكان لدائرة السينما والمسرح موقفا داعما هي الأخرى وكان لنقابة الفنانين السوريين موقفا داعما هي الأخرى كي تبارك لي نيلي هذا الوسام في حين صمتت بقية المؤسسات الرسمية عن ذلك !! حين فزت بجائزة التمثيل في العام ١٩٨٥ عن السهرة التلفازية (بلابل) تم بث الخبر من تلفزيون العراق في نشرة الاخبار الرئيسة وكرمتني حينها وزارة الثقافة العراقية واحتفت بي لان ما قدمته كان منجزا يصب في نهر الابداع العراقي، لذا انا اشكر كل من أزرني ودعمني وبارك لي ولعل ما قدمته لي جمعية الصالحية في مجمع الصالحية السكني من خلال مجلس إدارتها من مباركة وتكريم لم أكن اتوقعه ما جعلني على يقين ان ثقافة الاحتفاء ليست حكرا على الأسماء التي تترأس مناصبا ثقافية مهمة في الحكومة العراقية بل هي وعي وطني وانتماء حقيقي للأبداع وليست مزايدة او استعراضا إعلاميا...

 انت من الجيل الثاني من ممثلات المسرح في العراق الجيل.. فالجيل كنا في مجتمع كان يفرض قيوداً جمة على المرأة، فكان وجود المرأة على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا يغطي على جميع العناصر الواجب توفرها في الأداء. أما الجيل الذي اعقبهن من الممثلات فحظين بالاعتماد كان على مواهبهن.. وعاصرن العصر الذهبي للمسرح العراقي.. ماذا تقول عواطف نعيم عن ذلك؟

- نعم نحن الجيل الثاني بعد جيل الريادة والتأسيس والذي كان يضم أسماءً مهمة في الحركة المسرحية العراقية والتي كانت قد رسخت تحت أقدام طريقا سالكا للعبور الى ضفة الفن الأمنة فقد كن اولى المضحيات في مجتمع ينظر إلى المرأة بوصفها (عورة) فكيف بها وهي تعتلي خشبة المسرح وتجسد أمام الناظرين ادوارا فيها جرأة وفيها احتجاج ! الكبيرة زينب والمتمردة سليمة خضير وفاطمة الربيعي وسعديه الزيدي وناهدة الرماح ووداد سالم وفوزية عارف ومي شوفي وزكية خليفة وقديسة المسرح والمتبتلة فيه أزادوهي صامويل وغزوه الخالدي وسهام السبتي ومي جمال وهناء عبدالقادر وماجده السعدي وابتسام فريد وسميره الورد وزهره الربيعي هذا جيل قد يكون تفاوت في قدراته وتأثيره وحضوره الا انه ساهم بتفعيل الحراك المسرحي العراقي وجعل المجتمع العراقي المتحفظ والمحافظ ينظر إلى المرأة التي تعمل في الوسط الفني نظرة احترام وقبول وحين بدأنا خطواتها في ولوج هذا المعترك الصعب لم تكن الموهبة وحدها جواز مرورنا بل الوعي والتعلم والدراسة التي جعلت النظرة الى الفنانة العراقية ولاسيما في مرحلة نهاية الثمانينيات التسعينيات تحمل الكثير من التبجيل والإعجاب والانتماء، لذا حرص هذا الجيل ومن جاء بعده وأقصد بهذا الجيل الثاني على ان يكون مؤثرا اجتماعيا ووطنيا وعلميا لان المسرح علم ومعرفة فتزود بالدراسة وتعمق في فهم مبادئ الفن وأسسه وتتلمذ على أيدي أفضل الاساتذة والمعلمين، الموهبة وحدها ليست كافية لنضج فنان وفنانة في مجتمع تغلب عليه النزعة القبلية وتسود أجواءه التعصبات الدينية أذ لابد من المعرفة وحسن السيرة وذكاء الاختيار في انتقاء الأعمال وتقديمها وهو امر ليس بالهين لذا غلب على العمل الفني والثقافي العراقي وجود العائلة التي تجمع أكثر من فرد في ذات المهنة الفنية..

 مرة وفي احدى الامسيات قال يوسف العاني وكانت حينها المسرحيات المبتذلة قد بدأت:.. أن المسرح العراقي ولد ملتزما، فالالتزام جزء اساس من طبيعة المسرح في العراق.. هل لك رأي في هذا الموضوع؟

- المسرح فن الالتزام والمسؤولية هو بمثابة جامعة مسائية للتعلم والمعرفة، لذا لابد وان يكون المسرحي عارفا ومدركا لأهمية رسالته المسرحية حين يقدمها على خشبة المسرح كما على الفنان المسرحي بوصفه قياديا ومعلما وباحثا ومفكرا ان يتمتع ليس بموهبة الأداء وإجادته بل بموهبة الأخلاق وحسن السلوك والوعي المعرفي لأنه المعلم ولأنه الرمز الذي يبحث الآخرون من خلال سيرته عن بوصلة المعرفة كي يكون لهم قدوة ومِثال، ومنذ تشأته الأولى على الأرض العراقية كان المسرح العراقي ملتزما فكريا ووطنيا لكنه كان مسرحا منفتحا على الثقافات الإنسانية التي تسعى لتأكيد قيمة الإنسان وقيمة الحرية وتجتهد من أجل العدالة الاجتماعية وطليعيا ولكنه لم يكن مسرحا متجهما او يابسا او متعاليا بل كانت العروض فيه متنوعة ومتعددة والرؤى فيه متغيرة ومختلفة ومشاكسة احيانا ومغايرة في كثير من الأحيان جمعت الاسطوري مع التأريخ والشعبي مع العالمي والتراجيدي مع الشعبي الساخر ومسرح الطفل بكل تجلياته لان التنوع يعني توفير كل ماله علاقة بالذوق والمزاج وطبيعة الثقافة ولكنه لم يكن مُسفا او مبتذلا ولم يكن يسعى لتجارة وربح فاحشين او ضحك سفيه وخدش للحياء مرفوض بقدر سعيه للتوعية والتثقيف وبث روح المتعة والمعرفة وكسب ودّ وانتماء المتلقين لرسالته وتوجهه الجمالي والفكري وهذا النهج هو ما قامت عليه الفرق الأهلية العراقية وبعدها الفرقة القومية للتمثيل قبل أن تدخلنا الحروب في عبثها ويفجعنا بعض الدخلاء من تجار الفن ليحوّلوه الى بضاعة تسعى للربح على حساب المضمون وتسلك لذلك كل الطرق دون مراعاة للذوق او السلوك الاخلاقي والفني وهناك من روّج لها وهناك من دعمها وشرعن لوجودها...

 عواطف نعيم حضورها في المسرح ليس في مجال التمثيل، بل حضرت مخرجة مقتدرة وكاتبة مسرحية رائعة، وايضا ناقدة مهمة.. كل ذلك بإجادة تامة ومستمرة.. هل هذه الوجوه هي أقنعة لنشاطك الابداعي، أم انغماسا في عشقك للمسرح؟

- انا مولعة بالمسرح ولا أكتفي ان اكون ممثلة تؤدي دورها ثم تنسحب، أبحث في عوالم الدهشة وأسعى لاكتشاف الاخراج و هو بحث جمالي وفكري وتنظيمي في فضاء الخشبة وهو بحث يتطلب مني معرفة وإطلاعا على التجربة العالمية التي جعلت من المسرح ظاهرة أبداع ثم جمعت كل الفنون الإنسانية وجعلتها في فضاء المسرح فأصبح ابا لكل هذه التجليات الإنسانية وانا كاتبة تسج حكايات وتبتكر أسلوبا وتبني خطابا فكريا فلسفيا تنطلق فيه من نبض الشارع وهمسات الخوف وتمتمات البوح المستلب، اكتب لأضيء تأريخ وطن في محنته لان الكاتب كالشاعر ضمير الناس ولسان حالهم وانا اتصدى للعمل المسرحي ناقدة على وفق معايير فنية وثقافة تنتمي للجمال والتنوير ولا تؤمن بالتأثرية والذاتية لان النقد منهاج إبداعي يزامن المنجز الإبداعي فيزيد من غناه وينوّه عن جدته ويشخّص ما فيه من سلب لكنه لا يغفل الايجاب في التجربة والاجتهاد، انا مولعة بالمسرح فهو عالم سحري أستطاع حمايتي وحفظي من التهاوي نحو سلوك وعادات لن يسعد بها الانسان العادي فكيف بالفنان، الفن المسرحي كان بمثابة دار العبادة الذي اتوحد فيه إنسانيا وأتطلع من خلاله الى حقيقة ما يدور من حولي وما يدور في الضفة الأخرى من العالم لان الهم الإنساني والمحنة الاخلاقية هي ذاتها في بقاع العالم المختلفة حين تختل الموازين، لذا انا متماهية في المسرح حد التجلي...

 ما رأيك بمن يتحدث عن مسرح نسوي واخر رجالي، او تجارب نسوية في المسرح العراقي وغير ذلك.. هل انت مع هذا التجنيس، أم لك رأي اخر؟

- الابداع واحد للكاتب البشري ليس ثمة تجنيس في الفن والثقافة بل هو ما تقدمه وتبتكره المخيلة من جديد مؤثر فتثير الدهشة وتبعث الأسئلة وتفتح شهية الكتابة والحوار، الذات الإنسانية المتنورة والموهوبة حين تقدم إبداعها الذي يتجلى قصة او رواية او قصيدة شعرية أو عرضا مسرحيا أو فنا تشكيليا أو أي نوع من أصناف الابداع وتجلياته لا يحق لنا أن نجنسه فنمنحه صفات ونضع له معايير وضوابط تقييم على هذا المنجز بوصفه نتاج انثوي وعلى هذا المنجز بوصفه ذكوري !! المعايير النقدية والمقيمين التي توضع لا تضع فروقات للأنثى المنجزة ولا تضع تميزا للذكر المنجز بل تضع ضوابطها واشتراطاتها وتقييماتها الفكرية والجمالية والفنية على مستوى المنجز وكليته لعمل إبداعي دون التفكير في تجنيس، لذا انا أقف على الضد من مسرح نسوي وأدب نسوي وفن تشكيلي نسوي وارفض كلمة نسوي !! المنجز نتاج الفكر والمعرفة والانتماء وتوقد المخيلة لذا فهو أبداع للإنسان واحد لا يتجزأ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram