عبد المنعم الأعسم
قد يطمئن السيد المالكي، المطلوب للقضاء بشأن تصريحات مسربة الى الاعلام وصفت بانها تتحدى الدولة وتعِدّ لحرب اهلية، الى ان القانون الدولي في صالحه، وهناك تفسيرات للقانون الجنائي العراقي قد تعتمدها المحكمة العراقية التي تنظر في القضية ربما (اكرر: ربما) تبرئ ساحته،
فان التنصت، تحت اية ذريعة، مدانٌ (وفق احدث قوانين ومدونات الحقوق المدنية) وبخاصة حين يلحق هذا التنصت الاذى بالامن وبالحقوق وبالاشخاص، وهذا ما جرى حين اغلقت صحيفة “نيو اوف ذي وورلد” البريطانية، على خلفية افتضاح عمليات انصات على هواتف مواطنين، وكما يحصل طوال 12 عاما من اعتقال وملاحقات جوليان اسانج صاحب تسريبات ويكليكس ذائعة الصيت.
وطبعا، الامر بالنسبة للقوانين لا يتعلق بصحة او عدم صحة معلومات التسريب، فان تلك المعلومات تأخذ طريقها الى التأثير في السياسات والمواقف والمصائر عبر طرق ناشطة ومعقدة، وغاية في السرعة والنتائج.
ويستطيع محامو المالكي، ايضا، ان يستعينوا بنصوص دينية مدوّنة تمنع التنصت على اسرار الاخرين وتعدها من حالات التجسس، والتجسس حرام، على الرغم من ان “استراق السمع” بهدف جمع المعلومات صار من لوازم استخبارات الدول كافة، ولم تمتنع عن هذه الوسيلة الدول التي تتخذ الدين هوية لها، وتنشر المنظمات الانسانية والجماعات الحقوقية وثائق وشكاوى كثيرة عن استخدام سلطات الامن في تلك الدول لابشع وسائل استراق السمع على العائلات والافراد تحت شبهة عدم الولاء.
لكن، لا القضاء، ولا العقوبات الصارمة التي نزلت بحق مسربي الاسرار واستخدامها في الاعلام (وقد تنزل بحق المنصت على تصريحات المالكي) قد بيّضت صفحات، أو ردّت الاعتبار للذين تحدثوا (أو دوّنوا) تصريحات خطيرة سرية (مُسترق لها) تنطوي على نيات ومخططات تشكل تهديدا للسلم وتعديا على السيادات، وضررا لجماعات وأشخاص، أو انها أدت، من بين نتائج هائلة، الى تغيير اقدار وسياسات ومصائر زعامات واصحاب مصالح سياسية ومجتمعية وأمنية، عدا عن انها وضعت بين ايدى المحللين والمراقبين وكتاب الرأي معطيات ومؤشرات جديدة، وثائقية و”انقلابية” عما يجري ويُطبخ في الغرف المظلمة.
تسريبات حديث المالكي المثيرة تكشف (وهذا المهم) عن تفارق شنيع بين ما هو مُعلن للرأي العام من كلام مسالم وتوافقي وحريص على السلم الاهلي ونزع فتيل التوترات، واحترام المقامات والتعهدات، وما هو مضمر سرّا من نيات لا تقف نتائجها التدميرية عند حدود الادارة السياسية للبلاد، بل تتعداها الى تدمير مستقبل البلاد، ولم تكن تلك النيات المسربة في عبارات فصيحة من قبيل الافكار أو وجهات النظر او الاجتهادات الخاصة حيال الوضع السياسي في البلاد، بل هي خطط تُملى على جمهور ومعنيين وقيادات (والاخطر) انها تتجه الى توقيتات تنفيذية على الارض، وفي مناطق محددة، وتطال مؤسسات وجهات ومصالح وجمهور معروف، ما لا يمكن لأحدٍ ان يقدر ايّ مذبحة ستسفر عنها..
ثم.. من يدري ايّ شكل للعراق الذي سيخرج من ذلك الكابوس؟.
استدراك:
“سرٌ بين ثلاثة اشخاص، لم يَعدْ سراً”
حكمة مترجمة