بغداد/ تميم الحسن
حتى اخر دقيقة من اجتماع «السبعة الكبار» داخل «الإطار التنسيقي» لاختيار رئيس وزراء جديد، كان الصراع مشتعلاً بين جناحي هادي العامري ونوري المالكي قبل ان يهدد الاخير بموقف تصعيدي.
وتقع وراء القصة الرسمية «الهادئة» التي دفعها قادة «التنسيقي» للرأي العام عن كواليس اختيار محمد السوداني لرئاسة الحكومة الجديدة، تفاصيل مثيرة عما جرى في ذلك النهار.
كانت مقدمات الاجتماع الذي جرى فيه الكشف عن اسم «السوداني» نارية، حين اُجبر قاسم الاعرجي (مستشار الامن القومي) على الانسحاب بعد ان أصبح منافساً قوياً على المنصب.
وخرج مرشح هادي العامري زعيم الفتح، بسبب ما قيل انه «فيتو» من نوري المالكي زعيم دولة القانون الذي يواجه ارتدادات «ازمة التسجيلات المسربة».
ونشرت قبل ذلك وثائق – لم يتم التأكد من صحتها حتى الان- ورطت «الاعرجي» بانتقادات ضد فصائل معروفة وهجوم على إيران وروسيا، فيما عرف بـ «المحضر الكويتي».
كان القلق مسيطراً على بعض «القادة» بسبب تلك اللحظة الحاسمة التي كانت قريبة الحصول وسط غياب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، الذي ظل «الإطار» حتى اخر لحظة يتجنب استفزازه.
وسخر مقربون من «الصدر» من اختيار «السوداني» وسط صمت زعيم التيار حتى الان، فيما رفض «تشرينيون» المرشح كما فعلوا في احداث الاحتجاجات في 2019.
الكرد والسُنة (حلفاء الصدر) هم الاخرون لم يعلقوا بشكل رسمي حتى الان على ما جرى نهار الاثنين، لكن هناك اشارات بأيام «عسيرة جدا» قادمة، كما يصفها احد القيادات الكردية.
سياسي مطلع على اجتماع «الإطار» الاخير في منزل العامري قال في حديث لـ(المدى) ان: «كفة المالكي ومرشحيه قد رجحت قبل الاجتماع، بعدما ابعد أبرز منافس» في اشارة الى الاعرجي.
ومع بداية انعقاد الاجتماع بقي 5 مرشحين، 3 منهم مدعومين من قبل المالكي (السوداني، علي شكري، طارق نجم) و2 (بعد انسحاب الاعرجي) مدعومين من العامري (العبادي، وعبد الحسين عبطان).
ويضيف السياسي المطلع الذي طلب عدم نشر اسمه: «جرى اتفاق على ابعاد الخط الاول لذلك أسقط اسم حيدر العبادي، وصار التنافس قويا بين عبطان والسوداني».
حين ذلك اتكأ المالكي في حقه على فوز مرشحه بانه «يملك أكثر المقاعد في الإطار، وهدد بالانسحاب إذا لم يفز مرشحه»، بحسب ما قال السياسي.
اضطر الجميع تحت تهديدات «المالكي» للقبول بمرشح الاخير خوفا من انهيار «الإطار التنسيقي»، فيما كان قبل ذلك قد وصل خبر بان «الصدر غير مهتم بالجلسة».
وكشف قيس الخزعلي زعيم العصائب كيفية حدوث التواصل مع زعيم التيار الصدري قبل اختيار السوداني.
وقال الخزعلي خلال مشاركته في غرفة صوتية على مواقع التواصل: «بعض الأخوة حاول الاتصال لاستشفاف الموقف، وكانت الإجابة، بأننا (الصدريون) غير معنيين بهذا الاتفاق، لا سلباً ولا إيجاباً».
ولم يصدر عن «الصدر» حتى الان اية ردة فعل على اختيار «السوداني»، لكن المقرب من زعيم التيار صالح العراقي نشر صورة سخر فيها من اسم رئيس الوزراء.
واظهرت الصورة رجل ذو بشرة سوداء وهو يصافح ظله، فيما تردد في الأوساط الصدرية ان ذلك يعني ان السوداني (مرشح الإطار) يشكر «المالكي» الذي يقف خلف الكواليس اختياره الاول للمنصب.
اما ابراهيم الجابري وهو مدير مكتب «الصدر» في بغداد قال في حسابه على مواقع التواصل ان «انفاس مصفى بيجي كانت حاضرة في تسمية السوداني.. مو؟» في تلميح الى ان ما جرى في الاجتماع مشابه لسرقة الفصائل للمصفى ابان حروب التحرير في 2015 في تكريت، والذي يتهم الصدريون «فصائل داخل التنسيقي» بالوقوف وراء ذلك الحادث.
رئيس حكومة بـ 7 وزارات!
وبالعودة الى اجواء اجتماع اختيار «السوداني» قال زعيم العصائب في المداخلة الصوتية: «حتى ليلة الأحد الماضية (قبل يوم من اختيار السوداني)، كان هناك اختلاف بين القادة حول المرشح للمنصب، لكن الحمد لله بذلت جهود مركزة، من أجل تقليل مساحات الاختلاف، وكانت هناك جهود مميزة للسيد عمار الحكيم».
واضاف الخزعلي هو عضو اللجنة الرباعية الخاصة داخل «الإطار» لاختيار رئيس الوزراء: «السوداني هو مرشح الإطار بالإجماع، وليس مرشح كتلة أو حزب داخل الإطار».
واكد «الإطار التنسيقي» ان عملية اختيار «السوداني» في منزل هادي العامري في بغداد جرت باتفاق الجميع.
وقال «الإطار» في بيان مساء الاثنين «بأجواء إيجابية اتفق قادة الإطار التنسيقي وبالإجماع على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء».
والسوداني هو وزير حقوق الانسان في ولاية المالكي الثانية، ووزير العمل في حكومة العبادي، كما شغل بالوكالة في تلك الحكومات وزارات الصناعة، المالية، التجارة، الزراعة، والهجرة، وفاز بـ 3 دورات برلمانية.
وفي الانتخابات الاخيرة قاد تيار الفراتين بعد اعلانه الانسحاب من حزب الدعوة ابان تظاهرات تشرين 2019، حيث كان اسمه قد تردد حينها بان يكون بديلا لـ «عبد المهدي».
وحصل السوداني في الاقتراع الاخير على مقعد واحد، ثم ارتفع الى 3 مقاعد بعدما حصل على مقاعد الصدريين المستقيلين في بغداد وميسان.
وكانت الاحتجاجات قد رفضت السوداني لرئاسة الحكومة بعد استقالة حكومة عبد المهدي وترددت انباء حينها عن حرق متظاهرين منزل الاول في ميسان.
وقال حسين الغرابي ناشط ومؤسس حزب (البيت العراقي) بعد التظاهرات، ردا على اختيار السوداني: «لن يأتي خير للعراق من الإطار».
وتوعد الغرابي على صفحته في «فيسبوك» قائلا: «لن نقف مكتوفي الايدي حيال سيطرتهم على البلاد مجددا».
وتقف امام «السوداني» ورئاسة الحكومة جلسة حاسمة –لم تحدد بعد-لاختيار رئيس الجمهورية الذي سيكلفه بتشكيل الوزارة الجديدة.
ويتعين على «التنسيقي» ان يجمع على الاقل 220 نائبا في جلسة اختيار (الرئيس) بحسب تفسير المحكمة الاتحادية.
وهذا يتطلب موافقة «حلفاء الصدر»: الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم، اللذان التزاما الصمت حتى الان على التطورات الاخيرة.
صواريخ...
وقبل ان يصدر اي موقف من الجانب الكردي على الاقل سقطت 3 صواريخ على حقل للغاز في السليمانية كان قد ادى الى ازمة بين الاقليم و»التنسيقي» بعد ايام من «اعتزال الصدر».
ودعا المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، الحكومة الاتحادية لاتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من هجمات الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
واستهدف الهجوم الجديد حقل كورمور الغازي مساء الاثنين (بعد ساعات فقط من اختيار السوداني).
وقال عادل «ندين بشدة الهجوم الذي شنته مرة أخرى الميليشيات والجماعات المسلحة الخارجة عن القانون على حقل كورمور (خورمور) الغازي».
وكان الحقل وحقول نفطية اخرى في محيط الاقليم قد تعرضت الى 3 هجمات في الشهر الماضي، حدثت بعد ايام فقط من قرار زعيم التيار الصدري الانسحاب من العملية السياسية.
وعن ردود افعال «الديمقراطي» عقب اختيار السوداني، ذكر عرفات كرم الذي يوصف بانه مسؤول الملف العراقي في مقر رئيس الحزب مسعود بارزاني، بان مرشح الاخير هو ريبير احمد.
بالمقابل قال جعفر ايمينكي كبير مستشاري بارزاني في صفحته على «فيسبوك»: «لايزال مخاض ولادة حكومة اتحادية جديدة في بغداد عسيرا جدا، وأقرب الاحتمالات هي أن نشهد إجهاضا آخر أقسى وأمر».
واضاف ايمينكي: «فالانسداد السياسي لا ينتج إلا انغلاقا سياسيا خطيرا، والذي بدأ بالثلث المعطل وسينتهي بالكل المعطل والبادئ أظلم وربما تجبرنا الأحداث ان نرجع الى المربع الأول أي الانتخابات».