عمـار سـاطع
بإختصار شديد جداً.. لم تَعد أغلب البرامج الرياضية التي تتوزّع على القنوات الفضائية، بمختلف مسمّياتها، تملك الشخصية التي تجعلُ مِنها سبباً في إقناع المشاهدين والمتابعين!
وبإختصارٍ أكثر.. فإن تلك البرامج باتت تُستَنسخُ بِمَضمونها الواضح وتتكرّر باختلاف المقدّمين الذين لم يعد يشكّل أكثرهم ذلك التأثير على التداعيات الحاصلة لرياضة الوطن، بإستثناء أولئك الذين يسعون جاهدين للظهور أو مباغتة الواقع بكاريزما مُصطَنَعة، يختلف خارجهم بتمثيلهم عن باطنهم وما يحملونه من فكر، ينافي حقيقتهم!
لقد اصبحت البرامج بإعدادها وأسلوب عرضها والطريقة التي تظهر، أشبه بامتيازات تكشف كلّ شيء دون أن تجد النهج الإصلاحي الذي يفترض أن يطغي عليها، بل إن البرامج باتت مشاريع لِلفضح وليس التصحيح، ووقت كسب للامتيازات بدلاً من أن تكون أداة تُعرّي المسؤول، ومكانة للبحث عن الجاه أكثر من أن تكون داعمة لمتابعة الأخطاء!
نعم.. إن البرامج الرياضية، خرجت عن السياقات وأصبحت تشكّل العبء الملائم لواقع رياضتنا المُعطّلة نتيجة البحث عن الخطأ دون معالجته، وبات شعار البرامج المحمول على أكتاف الكثير من العابثين برياضة البلد، هو "الهرولة بإتجاه المجهول" و "السقوط في الهاوية"، وهي بعيدة كل البُعد عن حقيقة ما يفترض أن تطمح اليه، بعد أن غرّد الكثير من المقدّمين خارج نصّ الكلاسيكية التي تتمحور عليه حقيقة وجود البرامج أصلاً في الفضائيّات!
أجل.. هكذا أصبح الحال عندنا في التلفزيونات.. اشمئزاز من الواقع وأخطاء تتوالى.. وبعضٌ من المهرّجين الذين يتناولون القضايا العالقة والشائكة بشكل شخصي، مثلما أصبحت مساحات البرامج تلميع لِصورِ البعض وإساءات تتكرّر وضغوطات تتزايد ومشاكل مليئة على رفوف الاصلاح بعيدة عن التناول الفعلي والمهني الذي يفرض أن تكون عليه.. وبدلاً من أن تكون هناك فرضيّات تُجبر البرامج على تسليط الضوء للأهمية أو الأولوية، أصبح التنافس الشخصي والانتقاد بين المقدّمين إن كانوا مقدّمين أصلاً هو الشغل الشاغل بين المتبارين على صدارة التواجد في لغة الاستفتاءات التي تُشغل المُتملّقين والمُتبهرجين للحيلولة من أجل البقاء في القمّة السُفلى!
أقول.. البرامج أضحت الشغل الشاغل حتى للمسؤولين، بل أنها أضحت تُؤثر على لغة القرار، وسبباً في انتعاش أسهم المُقدّمين الذين نصب بعضهم نفسه قاضياً يُحاسب كائناً من كان، وكأنه مُنزّل من السماء بلا خطيئة أو أنه حاكماً يُنصف الآخرين ويضع شروطه بنقاط للمضي عليها، وكأنه جاء من كوكب آخر مُنَزَّل، للمشورة والقرار، يقضي بين الجمع ويحلُ الإشكاليات ويزيل الارهاصات الحاصلة في زمنٍ كثرت فيه المشاكل، بل وتضاعفت فيه الإرهاصات!
لقد باتت البرامج، أغلب البرامج، نقطة التحوّل السيّئة في رياضتنا، وبدلاً من أن تكون عوناً أصبحت وبالاً على المجتمع الرياضي، وتزايدت لغة التسقيط بين فئات المجتمع، وتعمّقت فيه الخلافات الى حدود غير معقولة، وهو ما أوصلنا لحالٍ لم نعد نجد في القنوات ما هو يمكن أن يكون مهماً للحديث ومفيداً للجميع وداعماً للمنطق، بل إن البرامج انكشفت على حقيقتها وتَعَرّت، ووصل بها الأمر الى أن تجد للمشكلة عنواناً أهم من أي شيء، بل أهم حتى ممّا كُنا نتوقع أن تُعطي!
لا أترجى أي شيء من هكذا واقع.. فالقنوات التي لا تُصنِّف برامجها، وإداراتها الفضائيات التي لا تُقيّم عمل مقدميها ومستوى ومحتوى ما تذكره البرامج الرياضية، كثيرة، كونها تهتم بالاثارة أكثر من المنطق وتبتدع لنفسها أمور وتتبنّى قضايا، وهي بالأصل يجب أن تكون مُساهِمة في عملية التعديل والتصحيح، بل ومشاركة في عملية تحقيق التوازن في قول الحقيقة، بدلاً من الإسفاف والتهريج، أو الإساءة والتشهير!
مرارة الأمر تتجلّى في أن أحاديث الاستوديوهات باتت حديث الشارع نفسه، لكسب الودّ والتحدّث بطريقة تختلف كلياً عن أساليب الإعلام التي يفترض أن تكون وفقاً ضوابط وسياقات محدّدة، فلا النقد فيه نقد، ولا تبني القضايا هو تبني صحيح أو صالح للتناول لأن هناك من المشاكل ما هو أعمق من الاشاعات التي اعتلت منصّات الحديث وحتى المقاطع المُجزّأة التي تظهر في مواقع السوشيال ميديا تنال ما تناله من نسخٍ مكررةٍ لأجزاء مُحدّدة لصفحات البرامج عَنِها كلها تأتي لسببٍ يرتبط بأعداد المعجبين أو المعلّقين لزيادة الحضور!
ما يحدث اليوم في البرامج يدخل ضمن إطار الأخطاء، وما يحدث هي وجهات نظر يندرج ضمن الإعلام الواقعي، والآراء التي تُطرح ليست بِسديدة أبداً وحتى الخلافات بين المتواجدين والمعارك الطاحنة والحروب أقرب لأن تكون حروب وجود والبقاء لم يعد للأفضل، بل للأسوء!