علي حسين
لعل الجزء الأكبر من أخبار هذه البلاد مقلق ومخيّب للآمال، لكن هناك أيضا أخبار لا يعرف الواحد منا في أية خانة يضعها وكأنما كل هذه الأخبار المثيرة للأسى والقلق لا تكفي، فقد اكتشفنا أنَّ هناك تظاهرات يمكنها أن تدخل الخضراء، ومتظاهرون يقتلون ما أن تحط أقدامهم على إسفلت جسر الجمهورية.. لا أريد أن أضع مقارنة بين تظاهرات وتظاهرات، فأنا مع كل مواطن عراقي يحتج ضد الظلم والانتهازية والمحسوبية.
عندما يفشل من يطلقون على أنفسهم نواباً في صياغة مشروع وطني لدولة مؤسسات في العراق، نراهم لا يجدون سوى طريق واحد لخوض المعركة السهلة، وهو طريق المناصب والمغانم، اعتقاداً منهم أن العراق مجرد كعكة لذيذة ودسمة، تعرف الناس جيداً أنها كانت السبب وراء حروب الساسة من أجل البقاء أطول مدة ممكنة على أنفاس الوطن.
تسعة عشر عاما مضت تكشف أن ما تصنف نفسها "قوى سياسية " لا تزيد عن كونها جزء من جهاز لخدمة مجموعة من الاشخاص في زي رؤساء الكتل ، هذه الاستهانة بمصائر العراقيين تكفي وحدها دليلا على اننا لا نعيش في ظل نظام سياسي ، بل نعيش داخل طوائف سياسية ، وهذا ما نبهنا عليه بيان النائب محمد الصيهود حين قال ان ترشيح محمد شياع السوداني هو ترشيح شيعي اولا ، ثم ياتي العراق ثانيا .. ومثلما يذكرنا محمود المشهداني من ان ساسة السنة لا يهمهم من سيجلس على كراسي الحكم ، المهم ان يحصلوا على " المالات " .سفكت دماء اكثر من 700 متظاهر من اجل ان نتخلص من المحاصصة. لكن ساستنا يصرخون لابديل عن حكومة المناصفة والتوازن مع الاعتذار لصاحبة براءة " التوازن " النائبة حنان الفتلاوي .
قد يتآمر البعض ويتوقف بالتفكير قليلاً في المقارنة بين حجم ودرجة اهتمام الاحزاب الغربية "الكافرة" حين تحدث ازمة سياسية ، وبين رد فعل احزابنا التي ترى لا تريد ان تغادر منطق الاستحواذ، وهي مقارنة لا تجوز، لأسباب عدة ليس من بينها أن المسؤول الغربي لديه ضمير، فيما نحن نعيش في ظل ساسة أصيبوا بمرض مزمن في الضمير.
عام 1968 قامت ثورة الطلاب في فرنسا ضد ديغول الذي صنع النصر لبلاده، لكن صوت الشعب كان أقوى، ليذهب في النهاية الرجل الذي أسس الجمهورية الفرنسية الحديثة، إلى معتزله في الجنوب يكتب مذكراته بفرنسا أكثر قوة وأماناً، وبسهولة
يخاف ساستنا اقتراب الناس من " القلعة الحصينة " المنطقة الخضراء .. وكان الاولى بهم ان يخافوا من نسبة الخراب الذي زحفت على البلاد على مؤسسات الدولة ، ومن غياب أي محاولة جدية لعمل وطني حقيقي