علي حسين
أحالتني صورة البقرة التي تتجول في حدائق مجلس النواب العراقي ، ويبدو عليها الاطمئنان والراحة، إلى رواية الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز "خريف البطريرك" ومشهد البقرة التي تعلو سدة الرئاسة. ومع أخبار بقرة البرلمان، يعيش المواطن العراقي سنوات عجاف مع برلمان انقرضت داخل قبته السياسة والعمل الوطني وحلت محلهما عمليات النصب والاحتيال وبيع المناصب.
لم يعرف تاريخ الرواية، روائياً شغل القراء والنقاد، مثل الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، حيث لا يزال حاضراً بقوة في ذاكرة الناس، بعد أن ابتدع لنا عالم الواقعية السحريّة. ولكن المرحوم ماركيز لو كان حياً، لشاهد وسمع عن واقع نعيش فيه اليوم أغرب من السحر والخيال معاً، وما هو أغرب هو أن تعجز الكتل السياسية عن بناء نظام ديمقراطي يحترم إرادة المواطن، ويحوله إلى شريك وليس تابع.
لم يخطر في بال المرحوم ماركيز أنّ الرواية التي كتبها عن الدكتاتور الذي وجد نفسه بعد سنوات طويلة في الحكم والسيطرة على مقدرات البلاد لينتهي ممدداً على وجهه فوق الأرض، أن هناك من يصر على تقليد الجنرال دون أن يقرأ ماركيز وربما لم يسمع باسمه يوماً.
أستشهد بالكولومبي ماركيز وأدرك جيداً أن لا أحد من قراء هذه الزاوية مستعد هذه الأيام لأن يقرأ تنظيراً عن تجارب الشعوب وصحوات الأمم، وعبارات واستشهادات بأرسطو وسارتر، فلا شيء يعلو على صوت المزايدات السياسية التي كشفت لنا، ولو "متأخراً"، عن أن هذا الشعب عليه أن يدفع الثمن صامتاً، ومن لا يصدق أحيله إلى بيان معظم السياسيين الذين يريدون تحويلنا إلى آلات حاسبة يستخدمونها خلال أيام الانتخابات فقط.. أتمنى أن لا يعتقد البعض أنني ضد الديمقراطية، ولكن، ياسادة، هل أصبحت الديمقراطية في هذه البلاد الغريبة والعجيبة نوعاً من أنواع المنافع أوعنواناً لوظيفة يجب أن يحصل عليها كل من حصل على لقب سياسي؟
كلما يطل علينا سياسي يسخر منا، أتذكر السنغافوري "لي كوان" وكيف استطاع أن يضع بلاده في مقدمة البلدان المزدهرة، بالعمل والاجتهاد وحب الوطن بعيداً عن الشعارات و"هوسات العشائر" وأهازيج "الأحزاب التي تريد منا أن لا نغادر سنوات خريف البطريرك " .
منذ سنين ونحن نعيش مسرحية " الديمقراطية " التي تتراوح بين حكومة الاغلبية او حكومة الثلث المعطل ، ووجدنا الكثير من من أعضاء هذا البرلمان " القرقوشي " مصرّون على أن يعيش الناس على حافة الهاوية، وأن تظلّ البلاد فوق بركان يتطاير منه الشرر في كل ثانية.
تتجول البقرة في سيرك البرلمان العراقي بعد أن حولته السياسة إلى سيرك يومي يعرض على المشاهد العراقي العاب بهلوانية وفواصل " مسخرة " .