محمد حمدي
تبادر الى ذهني، وأنا أستمع لمقابلة مع أحد أعضاء اتحاد لعبة فردية، كان يحثُّ بها فريقه المشارك في بطولة آسيوية على طريقة النخوة واستحضار الهِمم مُتبجّحاً، بأنها السلاح الأمضى بيد الرياضي العراقي.
تذكرتُ حينها مقابلة مطوّلة اُجريتْ مع اندرو فالمون مدرب الفريق الأميركي لألعاب القوى في دورة أولمبية، أدهشتني حينها صراحة الرجل ودقّة معلوماته وهو يتحدّث عن مُعادلات رياضية لا تقبل الخطأ أبداً بطرفي المعادلة الزمان والمسافة والحسابات في آخر اختبار للاعبين ومن هو مؤهّل للميدالية الذهبية أو الميداليات الملونة الأخرى.
عندما سُئل فالمون حول المفاجآت المتوقّعة قال بثقة واقتدار "ليس بين اللاعبين من يشكو اصابة أو مرض خلال أيام البطولة" ولم يتحدّث أبداً عن استنهاض الروح المعنوية والطاقة الانفجارية الفجائية أبداً أو إنّ المشاركة كانت من أجل المشاركة!
ذات الحديث سمعتهُ من مدرب المصارعة الإيراني الذي كان واثقاً من حصول فريقه على ميداليات ملوّنة في الأولمبياد رسمها وفقاً لمعطيات ثابتة ونتائج لا تقبل القسمة على أثنين، وهي إن دلـَّت على شيء فإنما تدلّ على العمل المُمنهج العلمي ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وليس العكس.
وأعتقد إننا لو تصفّحنا مقابلات العالم أجمع والتصريحات الصحفية للمدربين والاتحاديين لم يشذّ عن القاعدة إلا المدرب والإداري العراقي المسؤول في الاتحاد حيث ينقلب حديثه بيوم واحد مسافة 180 درجة بين فضائية وأخرى! فهو مع المدرب الأجنبي لمنتخبنا الوطني بكرة القدم والحديث في قناة العراقية ثم ما يلبث أن يكون محليّاً حدَّ النخاع مع الفضائية الأخرى!
وترى القسم الآخر مع الإبقاء على مدرب محلي معروف وأوّل من يبارك التنحّي وإجباره على الإقالة ويغرّد على موقع تويتر الشهير بأنه أوّل من لخّص وأوجز الأزمة من واقع خبرته بأن المدرب ليس أهلاً للمهمّة، وليس ببعيد أن يراهن الآخر على الإنجاز المحسوم بهمّة الغيارى ممّن خاضوا معسكر للعبة جماعية ما في تونس قبل بطولة إقليمية وينقلب الحديث الى مؤامرات لاعبين وعداوات شخصية بعد الفشل الذريع في بطولة أخرى، والحال معروف وما جرى بعد الخسارات المدوّية أنها مواقف تحسب وتُسجّل عليهم! والمصيبة أن هؤلاء المدربين والإداريين أدمنوا التصريحات المُتناقضة وقرّروا مسايرة الموجة وإن كانت باتجاهات عــدّة.
الحقيقة إن نغمة التصريحات المتعاكسة تفضح البون والازدواجية الشاسعة في تفكيرهم وشخصيتهم وضيق الأفق بما لا يقبل الشك على أنهم اعتادوا الفشل والخضوع والتحوّل الى شخصيات تهتمّ بنفسها من أجل الظهور الإعلامي لايصال رسالة ظنّوا أنها مفيدة وتشفع لهم هنا وهناك عند مركز القرار في الاتحادات واللجنة الأولمبية والمؤسّسات الأخرى!
هُم بتصرّفهم هذا، أصبحوا أداة للتشويش والضبابية والعبث بالمقدّرات الرياضية حيث لم يستثمروا خبرتهم في مجال التدريب أو الإدارة للبناء والتصحيح، ولكن للعبث واللهاث خلف المنافع الشخصية، كما هو الحال في قضية منتخباتنا الوطنية بكرة القدم للفئات العمرية والمنتخب الوطني الأول!
وما يزيد الطين بلّة كُثرة الألقاب والمناصب الوهمية في لجان بعض الاتحادات وهم أول من يوهِم نفسه بأنها الخطوة التي تسبق التسلّق الى المنتخبات والإدارات، ومن ثم الفوز بغنائم السفر والإشراف وغيرها باستثمار إعلانهم التلفازي مع أنهم لم يحسبوا انعكاس النتائج وانقلابها على رؤوسهم كما حصل بتجارب كثيرة!
إن ما نطرحه اليوم ليس بجديد أو غير معروف لدى الجمهور والإعلام الرياضي، لكنّنا حينما نلحُّ في المطالبة والحديث لأن الأمل يحدونا بلحظة حقيقة يقفون بها مع أنفسهم وينظرون حجم الخراب الذي حلَّ بالرياضة العراقية فنياً وإدارياً وليس من ضوء في آخر النفق!