عبد المنعم الأعسم
لا ينطوي على شفاء الغليل القول (ربما الاستباقي قليلا) بان الاطار التنسيقي خسر فرصته الى الابد في تشكيل الحكومة التي اراد لها ان تعْبر به من فوق الحساب والمساءلة والمراجعة عما حل ويحل بالعراق، او الاستفراد في قرار (حلم) ادارة لعبة الحكم في البلاد، أو عودة عقارب الزمن الى ما قبل اجتياح البرلمان من الصدريين، وهذه الخسارات التي مني بها الاطار جاءت بعد خسارته الشنيعة في معركة انتخابات 2021.
ان التشفي، في الواقع (مثلما هو وهم الانتصار) لا يقدم ولا يؤخر في النتائج على الارض، عدا عن انه مضيعة للأقدار التي “قد تنقلب” مرة اخرى، كما يقول صاحب كتاب “شفاء الغليل” ابو احمد الغزالي، والمشكلة تكمن في العقيدة “البايخة” التي تضرب العقل السياسي للطبقة السياسية، والمستوردة عن صاحب “ام المعارك” من ان الاعتراف بالهزيمة ليس من شيم الشجعان، ابناء القبيلة، الذين عليهم تحويل الهزائم الى انتصارات، أو (على وجه الدقة) اعتبار الهزائم، حتى باهظة التكاليف منها، بمثابة انتصارات، ولو بمعسول الكلام.
الهزيمة يمكن معاينتها في ما لا حصر له من الشواهد والمعاينات، آخرها قبول الاطاريين السريع بالمبادرة التي اطلقتها اربيل لتكون مكانا للحوار بين الاطار التنسيقي ومعارضه، المنتفض، التيار الصدري، وقد كتب مراسل عربي لجريدته ما يلي عن لغز وهوان هذا القبول.. “الاطار يلوذ باربيل التي كان يتوعد بها” وينبغي اضافة سَحب اسم مرشح الاطار لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني من التداول، ودسه طيّ الطاولة، ربما أبداً، ثم، هشاشة التظاهرة التي جرت المراهنة الباذخة على زخمها ومليونيتها لوقف استطراد توازن القوى المتسارع لصالح الصدريين، واخيرا انتشار المعلومات عن اختلافات عميقة بين قادة الصف (الاول والثاني والثالث) للاطار وتبادل الملامات المعلنة والمبطة بينهم حول ما كان ينبغي ان تكون عليه المواقف حيال شكاوى واعتراضات ومتبنيات مقتدى الصدر.
هزيمة الاطار التنسيقي هي هزيمة لمشروعه السياسي والطائفي (المحاصصي) الذي يتمركز في المُفصح عنه باكثر من لغة ودوران (ولفٍّ ودوران) بالقول ان ادارة سلطة القرار (ومرجعية حكم الدولة) تبقي رهن قيادات الكتل الشيعية، حصرا، تسلسلاً بحسب نفوذها وعدد مقاعدها تحت قبة البرلمان، محسوبا عدد الاصوات التي نالتها في صناديق الاقتراع، الامر الذي عارضه مقتدى الصدر بالاعلان عن “الفضاء الوطني” ممثلا بكتل فائزة من جميع الشرائح والمكونات كمرجعية للحكم وللقرارات الستراتيجية للدولة.
والحال، لا اسماء كثير للهزيمة، لكن لها مآلات لا حصر لها.. فمنها هزيمة الشجعان الذين يسْمَون وترتفع جباههم حين يعترفون بها، ومنها هزيمة القرويين الذين جاءتهم القيادة والنعمة صدفة، فينكرونها نائمين على وسادة الوهم، قبل ان تداهمهم، تلك الهزيمة، وهم في ملابس النوم.
استدراك:
“إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب”.
نزار قباني