TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باختصار ديمقراطي: الاحتراف الخجول!

باختصار ديمقراطي: الاحتراف الخجول!

نشر في: 30 أغسطس, 2022: 10:59 م

 رعد العراقي

لم تعد منظومة كرة القدم تمثل هواية مجرّدة تتمتع بمشاهدتها الجماهير واللاعبين، بل تحوّلت الى نظام استثماري تجاوز بإيراداته المالية الكثير من المشاريع حتى باتت بعض الأندية تمثل امبراطوريّة مالية تمتلك ميزانيّة تفوق إيرادات الدول الفقيرة.

ولأجل أن يكون الاستثمار ناجحاً ويحقّق الأرباح فإن تلك الأندية اتجهت نحو تطوير البنى التحتية من ملاعب ومنشآت والبحث عن وسائل أكثر إثارة لجذب الجماهير عبر الارتقاء بالجانب الفني لتحفيز المنافسة والاستحواذ على البطولات ليكون اسم النادي ماركة مميّزة تستقطب المعجبين وتعطي قوة لأسهمها المالية عبر ازدهار مبيعاتها وتحكّمها بسوق اللاعبين.

ولم يكن مفهوم الاحتراف عبر صفقات شراء اللاعبين إلا جزءاً من خُطط الاستثمار الذي يُحقِّق عدّة أهداف تبدأ بضمان الارتقاء بالجانب الفنّي ومن خلاله حصد البطولات التي تدرّ الملايين من الدولارات ويثبّت مكانة النادي في البورصات المالية إضافة الى ارتفاع القيمة السوقيّة للاعبين ومداورتهم بصفقات مع أندية أخرى، إضافة الى ما تحقّقه لهم مبيعات الملابس، وكل ما يتعلّق من مستلزمات أخرى مرتبطة بالنادي.

وفق ذلك فإن عملية إدارة الاحتراف تأخذ جانبين: الأول يتمثّل باستقطاب لاعبين على مستوٍ عالٍ، والثاني الاستحواذ على عقود لاعبين مغمورين من عدّة دول وبعقود منخفضة الثمن والعمل على الترويج لهم بشكل تدريجي وبيعهم لأندية أخرى بأسعار عالية! تلك العملية تدار من قبل متخصّصين (كشّافين) ووكلاء لاعبين لديهم القدرة على تسويق لاعبيهم باستغلال العلاقات ووسائل اقناع بالخبرة التي يتميّزون بها.

قد يظنّ البعض أن احتراف اللاعبين ربما يعود بالفائدة على الأندية واللاعبين، إلا أن الحقيقة أن هناك دولاً هي الأخرى استفادت من احتراف لاعبيها المحلّيين وتطوّر الجانب المهاري لهم واكتسابهم الخبرة الميدانية من خلال ضمّهم لمنتخباتهم الوطنية، وبالتالي الارتقاء بالمستوى الفني والتنافس على البطولات المختلفة وحتى تحفيز الدوريات المحلية لدخول عالم الاحتراف لرفع مستوياتها.

الكرة العراقية لم تكن استثناءً برغم محاولاتها الخجولة في ولوج عالم الاحتراف سواء بقرار إقامة دوري محترفين أو السماح للاعب المحلي بالاحتراف مع أندية خارجية إلا أن نتائج تلك الخطوة كانت أقرب الى الفشل منها الى النجاح بعد أن غابت الرؤية الصحيحة والتخطيط السليم، فلم نخرج بدوري محترفين حقيقي، ولم نسلّح لاعبينا بخبرة وثقافة الاحتراف، فخسرنا الأموال وضيّعنا فرص ظهور المواهب الشبابية، وكذلك حدّدنا خيارات لاعبينا بين الذهاب الى دوريات الخليج أو التخبّط في الاحتراف بدوريات أوروبية لا تضمن سوى الجلوس على دكّة الاحتياط!

لو وضعت تجربة احتراف لاعبينا منذ أوّل بدايتها على طاولة البحث والمناقشة سنخرج بمحصلة مفادها أن أغلب لاعبينا لم يحققوا النجاح إلا في دوريات الخليج العربي مع أن مستواهم الفنّي يؤهّلهم الى الانضمام في دوريات أوروبية ابتداءً من يونس محمود وقصي منير ونشأت أكرم وهوار ملا محمد برغم أن الآخيرين كانت لهم محاولات كاد أن يُكتب لها النجاح عندما لعب نشأت مع فريق تفنتي انشخيدة الهولندي وحصوله معه على لقب الدوري وهوار مع أبولو ليماسول القبرصي ومن ثم مع انيرفوسيس فاماكوستا وظهوره بشكل ملفت أمام انتر ميلان الإيطالي ضمن دوري أبطال أوروبا، لكن احترافهم لم يدم طويلاً، وعادوا مرة أخرى الى الخليج وهو مؤشّر يدلّ على غياب الأسس الصحيحة لثقافة الاحتراف وتخبّط في انتقاء وكلاء اللاعبين الذين ممّن لديهم القدرة على تسويقهم بشكل مثالي وليس بعيداً ما آلت اليه تجربة مهند علي وصفاء هادي الأوروبية من مطبّات مُحبطة لهما ولجمهورهما.

اتحاد الكرة القادم مُطالب بإعادة برمجة مفهوم الاحتراف من خلال إعداد دراسة متكاملة تتضمّن الخروج بتوصيات حول شروط وضوابط إقامة دوري المحترفين بما يحقّق تواجد نوعيّة من اللاعبين تخدم رفع المستوى الفني للدوري العراقي ولا تؤثر على استحقاق المواهب الشابّة، وكذلك العمل على إيجاد وسائل ونشرات تثقيفيّة بخصوص احتراف اللاعبين خارج البلد ابتداءً من تنمية الطموح ودقّة اختيار النادي المناسب من ناحية القدرة على التكيّف مع الأجواء العامة وانتهاءً بضمان حقوقهم القانونية وفرصة انتقاله من خلاله الى أندية كبرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram