عمـار سـاطع
يكاد الأمر يتجاوز التفوّق والتألّق، ويقترب من صناعة جيلٍ كروي تُعقَدُ الآمال حوله مستقبلاً بقيادة الكرة العراقية في بحر السنوات العشر القادمة، بعدما تألّق فتيتُنا في خوض غِمار تجربة مُثمرة وفريدة من نوعها، قبل أن يتربّعوا بجدارة على عرش صدارة المجموعة الثالثة العربيّة متفوّقين على مُنافسين أقوياء يتجاوزونهم في كلِّ شيء، عدّة وتحضيراً.
نعم.. هكذا كان حال منتخب الناشئين، الذي أعاد الى الأذهان تجربة منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، بتشكيلة أصبح لاعبوها فيما بعد العماد الأساسي في تشكيلة المنتخب الوطني، وقبلها مع منتخب الشباب، وشاركوا في منافسات ضمّت منتخبات لها وزنها وثُقلها المعروف على الساحة ليس على مستوى القارات فحسب، بل على الصعيد العالمي.
ما حقّقه فتية المدرب، أحمد كاظم، اعتبره ضرباً من الإصرار، بل وتجربة تجتاز خيوط الواقع والمنطق، ففي غضون فترة قصيرة ناهزت الأسابيع الثلاثة، نجح وملاكه المساعد في اختزال الزمن، وتطوير عناصره، مع توفير كل سُبلِ الإعداد الأكمل والتجهيز الأمثل ليقف أمام حقيقة التألّق في مدينة وهران الجزائرية، ومواجهة منتخبات أفريقية نشطة، بل وفي قمّة نضجها الفكري والتطويري لفرق منتخبات الفئات العمرية.
لقد وقف لاعبونا بكل عنفوانهم، وكلّ ما يملكون من حسٍّ وطني مُشرِّف أمام ثلاثة من المنتخبات الصعبة المراس، وهي المغرب وجُزُر القُمر وموريتانيا، تحدّوا أنفسهم أولاً، وقطعوا العهد أيضاً بالظهور المُشرِّف والتغلّب على الصِعاب والتفوّق على المنافسين في مجموعة التحدّي الحديديّة، ضاربين مثالاً خالصاً لكل معاني النجاح وهّم يعيدون الى الأذهان التصوّر الصحيح لفئة عمرية تُعتبر الأهم في تأسيس المنتخبات الوطنية.
إن ما سجّله فريقنا الوطني دون 17 عاماً يُدَوَّنُ ضمن سلسلة النجاحات الباهرة حتى الآن، مع التذكير أن هذا المنتخب هو استكمال للمنتخب السابق الذي شارك في بطولات أقليمية سابقة، وكان بحاجة الى الوصول الى مرحلة الاستقرار والتمكين والتعريف بِقابليّات عناصره وتوظيفها بالشكل الأكمل حتى يُعبّر كل فردٍ فيه عن قدراته وما يملكه من موهبة تجتاز الصعاب ولا يقف أمامها غريم آخر، وهو ما تحقّق فعلاً.
أيها الإخوة.. علينا أن نعقدَ الآمال على هذا المنتخب الفتيّ الذي يملك لاعبين سيكونون بعد أعوام قليلة الأساس الفعلي في تكوين منتخب له نزعة التنافس على الأديم الأخضر، ويملك أساسيّات مُنضبطة وقادرة على الدفاع على سُمعة الكرة العراقية، كونه مؤسّس بالشكل الذي يسمح له بالاستمرار لفترة طويلة مع ضرورة إعداده بتوفير معسكرات مثاليّة عالية المستوى مع مباريات تجريبيّة مُخطّط لها من الجانبين العلمي والعملي.
وفي تصوّري الشخصي أن منتخب الناشئين هذا، كان بحاجة الى فكّ شفراته بالشكل الذي يجعله ينسى مصطلحات التخوّف وجسّ النبض، والبقاء في حالة التركيز ومهاجمة المنافسين بِضراوة دون أي توجّس، وهو ما تحقّق فعلاً مع توظيفها بالشكل الذي يجعل منه منتخباً لا يهاب من الخسارة، وهذا ما راقبناه جميعاً، وكأنه لا يقبل التراجع، ومع تقدّمه في مباراتي المغرب وجُزُر القُمر، كان المنتخب يستعيد زمام الأمور مباشرة ومعها يستردُّ عافيته بسرعة مع تسجيل المنافسين لهدف التعديل، وتقدَّمَ مجدّداً ولم يمنح الخصم فرصة للاستمرار بحالة النشوة، وكأنّ لاعبينا لا يرضون بفقدان المباراة أصلاً، وهو ما يعني أن حالتي الإصرار والتحدّي كانتا من بين النقاط التي أسّسها الملاك التدريبي عندّ كلِّ لاعبٍ.
سبعُ نقاط من ثلاث مباريات قويّة، أوّلها مع المغربي والأخيرة مع الموريتاني كانت كفيلة بانتزاع ليوثنا الأشاوس لصدارة المجموعة وبلوغ الدور ربع النهائي للبطولة ومواجهة السعودية، غداً الجمعة، في الطريق الى الدور نصف النهائي لمنافسات عربية تعترف بالبقاء للأفضل، وهو ما يجعلنا نؤكّد على ضرورة عدم خوض المباراة المقبلة بغير تلك الصورة التي ظهر عليها الفريق، مع شريطة عدم الوصول الى حالة النشوة بالاستهانة أو التعالي على الغريم الآخر، أو اللعب بصورة مُفرطة بالانتقاص منها فنيّاً أو التَكَبُّر على مكانتهِ لما حقّقه لاعبونا، فما تحقّق أصبح ضمن أجندة تأريخ البطولة، وغداً سيبدأ فريقنا مرحلة البقاء، لأن مباراة من قبيل مرحلة الدور ربع النهائي، تعترف بالفائز وتُبعِد الخاسر، مثلما هي مواجهة لا تقبل القسمة على أثنين، كونها فاصلة ولا يوجد فيها تعويض!
نُطالب بأن لا تقف حدود التطلّعات الى هذا الحدّ، مثلما نأمل بالأفضل من لاعبينا مع التذكير بالهدوء في مثل هكذا مواجهات خاصة، سيما أننا عقدنا آمالنا عليهم بالظهور المُشرِّف في هذه المرحلة من تاريخنا الكروي.