علي حسين
كالعادة عندما أجد خبراً غريباً وعجيباً بمقاييس بلاد ما بين النهرين، أقول لنفسي يارجل، لماذا تطلب من المسؤول العراقي أن يقتدي بسياسي أو مسؤول غربي كافر لا يحمل ذرة إيمان في قلبه؟، لكن ياسادة ماذا أفعل وخبر وزيرة الصحة البرتغالية يستفزني؟،
فهل يعقل أن تقدم وزيرة استقالتها لمجرد وفاة سائحة لم يتوفر لها سرير في المستشفى؟، ما هذه المهزلة الديمقراطية ونحن نستمع إلى الوزيرة وهي تقول: "أدركت أنني لم أعد أملك شروط البقاء في المنصب". ربما يسخر البعض. وزيرة تقدم استقالتها لمجرد وفاة سائحة هندية، فقد عشنا في هذه البلاد مع وزيرة الصحة عديلة حمود وهي تخرج علينا بعد أن أكلت النار عشرات الأطفال الرضع في مستشفى اليرموك، لتقول إن الوزارة ستحقق في الأمر، وبدلاً من محاسبة الوزيرة قام البعض بمنحها الأوسمة والنياشين ووضع على كتفها العلم العراقي، بل ذهب الهيام بالبعض إلى إنتاج نشيد يشيد بإنجازات عديلة حمود بتطوير الصحة في العراق.
دائماً ما يلومني قرّاء أعزّاء وهم يقولون بمحبّة: هل تتوقع أنّ ساستنا ومسؤولينا يقرأون؟ وأنهم سيطيلون النظر في سطورك التي تَحشيها بتجارب الشعوب؟ أنا أيها الأعزاء أطمح لأمر واحد، هو أن أجد أمامي نواباً وساسة يعرفون معنى المواطنة، لا أقبل بأن يتحسّر العراقي وهو يقرأ ما قاله السيد عمار الحكيم من أن ظروف العراق واليابان تتشابه من الناحيتين السياسية والاجتماعية.
منذ سنوات وجنابي يقرأ كلّ ما يقع بين يديه من كتب عن اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا وجميلاته النائمات مروراً بكنزابورو أوي وميشيما واعترافاته، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي، وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 على 29 جائزة نوبل توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة. بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره"العمل حتى الموت"، اليوم البرلمان الياباني يواجه مشكلة في إقناع الشعب بتخفّيض ساعات العمل.
هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتحول إلى مخيمات للاجئين والمشردين، وأرقام سعيدة للعطل التي ترى فيها الحكومة أنها ستبهج الشعب الذي يعاني أيضا من شعار"البطالة حتى الموت". تقول أرقامنا السعيدة إنّ نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ 40 بالمئة.
نحن ياسادة نعيش في دولة يعتقد فيها المسؤول أنه منذور لمهمة سماوية وأن أداء الخدمة للمواطن "رجس من عمل الشيطان" ، والخطب عن التنمية والبناء تحولت إلى مسلسل كوميدي.