ترجمة: حامد احمد
تناول تقرير لموقع (ذي نيو هيومانتاريان) الاخباري التبعات البيئية الخطرة لظروف التغير المناخي التي تشهدها الأراضي الزراعية العراقية نتيجة شح المياه لاسيما حقول زراعة الحنطة في محافظة نينوى التي تعتبر سلة غذاء البلد من هذا المحصول الزراعي المهم، مشيرا الى ان مئات العوائل الزراعية اضطرت لترك أراضيها بحثا عن مصدر رزق آخر لهم.
وذكر التقرير، أن "أصابع، شادي قادر، التي كانت يوما تغمرها تربة أراضي نينوى الزراعية، أصبحت اليوم منقوعة بمادة السمنت وأظافره ملطخة ببقايا مواد البناء، انها خلطة لم يزل يعود نفسه على تحضيرها منذ ستة أشهر بعد ان باشر بمزاولة عمل البناء".
وتابع التقرير، أن "الشاب الذي يبلغ من العمر 33 عاما والذي قضى عمره كمزارع حنطة هو من بين آلاف من مزارعين آخرين الذين غادروا مؤخرا أو يخططون لمغادرة منطقة ما يعرف بسلة العراق الغذائية".
وأشار، إلى أن "العراق الذي عرف بانه ارض وادي الرافدين، حيث يتدفق نهراه دجلة والفرات شاقين طريقهما عبر سهوله يرويان أرضه الغنية جاعلا منها قطاعا زراعيا مربحاً".
واستدرك التقرير، أن "حالات جفاف أخيرة تُجبر مزارعين وعوائلهم، تُركوا من دون دخل، على تغيير نهج حياتهم".
وشدد، على أن "شح المياه يتصاعد بشكل ملحوظ في محافظة نينوى، المورد الرئيس للحنطة في البلاد، مما يزيد من خطورة معدلات انعدام الامن الغذائي التي هي أصلا سيئة وازدادت سوءا بسب الغزو الروسي لأوكرانيا".
وأكد التقرير، "وفقا لأحدث معلومات تم الحصول عليها الشهر الماضي من وكالة الهجرة الدولية فانه ما بين حزيران وكانون الأول من العام الماضي اضطرت 303 عائلات في نينوى، بحدود 1800 شخص، على مغادرة بيوتها بسبب الجفاف، في وقت نزح أكثر من 34 ألف شخص من مناطقهم جنوبي ووسط العراق بسبب تبعات التغير المناخي، ويتضمن ذلك الكثير من أهالي البصرة التي تعاني من نقص في المياه النظيفة على مدى عقود".
ويقول قادر، "ترعرعت وانا اعمل في المزارع لمساعدة عائلتي، اعتدنا حصاد الحنطة كل عام معتمدين كليا على مياه الامطار وكانت تلك أوقات مريحة طيبة. ولكن أصبحت الأمور سيئة خلال السنتين الماضيتين."
وزاد التقرير، "مع نقصان المحاصيل وتقلب مواسم الحصاد، أصبح من الصعب على المزارع، قادر، ان يؤمن احتياجات عائلته على مدى سنوات. ثم في العام 2021 قرر صاحب المزرعة التي يعمل فيها بيع ارضه، ومع عدم وجود أي خيار سوى البحث عن مصدر آخر للدخل، انتقل قادر مع عائلته الى محافظة دهوك وانخرط بعمل البناء".
ويؤكد قادر، "أعمل مرتين في الأسبوع أحصل فيها على 30 ألف دينار باليوم، انه أكثر من اجر ساعة واحدة كان يجنيه من العمل في المزرعة، ولكنه أوضح انه تمر عليه أيام لم يحصل فيها على عمل كاف ليسد تكاليف الايجار او تأمين غذاء لأطفاله الثلاثة".
الجفاف يلقي بظلاله على الوضع
ولفت التقرير، إلى أن "الأمم المتحدة في الوقت الذي صنفت فيه العراق على انه أحد أكثر 5 بلدان في العالم تأثرا بالتغير المناخي، فان معدل سقوط الامطار في العراق العام الماضي كان متدنيا جدا جعله ثاني أكثر المواسم جفافا منذ أربعة عقود.
ويستند، إلى بيان صدر عن مجموعة من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية في حزيران، الذي أظهر أن ذلك أدى لـ "شحة في المياه وتصحر وتعرية للتربة ناجم عن ممارسات زراعية غير مستدامة وغطاء نباتي متضرر ومنكمش."
ونوه التقرير، إلى أن "درجات الحرارة هذا العام كانت عالية جدا والطقس جاف أيضا، وتسببت عواصف ترابية عنيفة، تكررت عدة مرات بسب الجفاف والتصحر وقلة هطول الامطار، بارسال آلاف الناس الى المستشفيات في شهر أيار".
ويجد، أن "ندرة المياه ليست بسبب قلة الامطار فقط، بل ان البلدان التي تنبع منها الأنهر في تركيا وإيران كانت تبني سدودا وبالتالي تسببت بقلة تدفق المياه للعراق، ساهم هذا بتدن حاد بمناسيب المياه في دجلة والفرات، التي تروي العديد من محاصيل المنطقة".
ويتوقع التقرير، أن "يزداد شح المياه الشديد في نينوى سوءا، ملقيا بذلك عبئا أكثر على المياه السطحية المتناقصة وضعف الإنتاج الزراعي، التعداد السكاني للمحافظة وفقا لآخر إحصائية لعام 2018 هو ما يقارب من 3.7 مليون نسمة".
ويقول المتحدث باسم قسم تجارة الحبوب في وزارة التجارة عامر المعموري إن "تغير المناخ يتسبب بتحديات حقيقية للمزارعين ولإنتاج الحنطة بشكل عام في العراق الذي يشهد تناقصا على نحو كبير".
وأفاد التقرير، بأن "أرقام الوزارة تشير الى ان المحاصيل المحلية تناقصت من 5 مليون طن متري خلال العام 2020 الى 3.37 مليون خلال العام 2021، وبحلول العام 2022 انخفضت مرة اخرى لأكثر من النصف الى 1.34 مليون طن متري فقط".
وذكر أنس الطائي وهو مستشار زراعي لدى موقع عين الموصل على صفحة فيسبوك يعنى بالوضع الأمني والثقافي والبيئي للموصل مركز محافظة نينوى، أن "حوالي 90% من سهول المحافظة الصالحة للزراعة قد طالها التصحر"، مشيرا الى ان "التصحر ليس ناجماً عن قلة هطول الامطار فقط، بل ان الافتقار لأنظمة ري كافية يعد عاملا آخر".
وتابع الطائي، أن "10% فقط من مزارعي نينوى يمتلكون رشاشات مياه ميكانيكية، او لديهم أراضي قريبة جدا من مياه نهر دجلة ليتم ارواؤها."
فيما ألمح المعموري لهذه المشكلة، مضيفاً أن "المزارعين ما زالوا غير متكيفين مع الظروف الجوية الجديدة عبر استخدام أساليب زراعة حديثة".
ونوه المعموري، إلى أن "أغلب مزارعي نينوى مستمرون بالاعتماد على أساليب زراعية تقليدية من بذر البذور وانتظار هطول الامطار، دون ان يستخدموا آبار للري كما هو الحال في وسط وجنوبي العراق".
ورأى التقرير، أن "هذا يعني انه عندما لا يوجد هناك مطر فليس أمام المزارعين أمثال المزارع، يوشو يوحنا، 60 عاماً من أهالي الحمدانية بسهل نينوى أي شيء يعمله، حيث ذكر انه زرع 250 دونماً من الحنطة العام الماضي ولكنه حصد ما مقداره 17 دونماً فقط خلال هذا الربيع". وأضاف يوحنا، أن "حصاد الحبوب خلال السنتين الماضيتين كان ذي نوعية رديئة بسبب الجفاف واضطررت ان ابيعه بسعر أرخص الذي بالكاد يغطي تكاليف زراعته."
وأورد التقرير، أن "يوحنا يفكر مع عشر عوائل أخرى من منطقته ببيع أراضيهم والانتقال الى مكان آخر، ويفكر بالالتحاق بابنته في السليمانية رغم انه لا يعرف ما ينتظره هناك".
وتحدث يوحنا "لا اعرف شيئا سوى الزراعة، انها المهنة التي اعتدت عليها طوال حياتي وورثت هذه الأرض عن والدي، عندما اغادر المزرعة ماذا تتوقع مني ان افعل؟ انا رجل كبير السن، كيف سأتمكن من توفير تكاليف العيش؟".
من جانبه، ذكر المزارع أواب أيوب، 55 عاماً، من منطقة الحمدانية، ان "قلة هطول المطر تعني ان الحنطة التي زرعها هذا العام لا تصلح حتى لان تكون علفا للماشية".
وأشار أيوب، الى سنابل الحنطة التي زرعها بالقول "كلما كانت السنبلة أطول كلما كانت نوعية الحبوب أفضل والسبب الاخر هو ملوحة التربة، وكان طول السنبلة لا يصل الى خصره".
وشدد التقرير، على أن "مزراعين مثل أيوب، يختارون بيع محاصيلهم لمطاحن أهلية اذا كانت نوعيتها جيدة بما فيه الكفاية، بينما تشتري الحكومة، وفقا لمصادر عدة في القطاع الزراعي، أنواعا رديئة من الحنطة في الأسواق العراقية وتخلطها مع حبوب مستوردة افضل نوعا لبيعها بأسعار اقل الى العامة".
وأضاف أن "انتاج الحنطة المحلي وبينما تناقص في نينوى، رفعت الحكومة من سعر الشراء من المزارعين المحليين بنسبة 30% وذلك كدعم لهم وضمان عدم بيع منتجهم للمطاحن الاهلية".
ويعود المعموري للقول، إن "السعر تصاعد هذا العام من 560 ألف دينار للطن الواحد الى 850 ألف دينار، وهو اعلى من السعر الذي تدفعه الحكومة لبعض الأنواع المستوردة من الحنطة".
ويجد التقرير، أن "مستقبل المزارعين في نينوى يبدو كئيباً، إذا ما استمرت حالات الجفاف"، متابعاً أن "المزارع أيوب، وبينما كان يحصد في الظروف الاعتيادية ما يقارب من 100 طن من الحبوب في الموسم الواحد، فانه حصد ثلث تلك الكمية فقط خلال هذا العام، بينما يغطي ابنه حاليا تكاليف معيشته فانه يراهن فيما إذا سيزرع أي شيء مرة أخرى، وكما هو الحال مع مزارعين كثر، فانه يفكر بمغادرة بيته كآخر ملاذ يلجأ إليه".
وينتقل التقرير، إلى "كاميران، 27 عاماً، مزارع من الموصل طلب ذكر اسمه الأول فقط، قال انه ليس له خيار سوى التخلي عن الأرض التي ورثها عن والده، وأوضح بقوله: كنت أنفق أموالا على الزراعة أكثر من المكسب الذي احصل عليه منها."
وتابع، أن "كاميران يعمل حالياً منظفا في فندق بمدينة أربيل لتوفير مكسب عيش لوالدته وشقيقاته الثلاث، معربا عن ندمه لما سببته ازمة الجفاف من تغيير حياته بالكامل".
ويقول كاميران إن "الأزمة تسببت بجفاف محاصيلي ولم تترك لي سوى ذكريات عن السنوات والعمل التي قضاها والدي في زراعته لهذه الأرض".
عن: موقع ذي هيومانتاريان