لطفية الدليمي
صار العراق منذ سنوات عديدة قنبلة ديموغرافية تنذرُ بأوخم العواقب لمستقبل البلاد وساكنيها . يخبرُنا المسؤولون أنّ سكّان العراق تجاوزوا الأربعين مليوناً . يقولون هذا بحيادية ورخاوة ومن غير مسؤولية كمن يخبرُنا بإكتشاف علمي أو إختراع تقني يحصل في أبعد بلاد المعمورة .
لاتكاد تطرف لهم عين وهُمْ في غيّهم فرحون . ربما يرون في الكثرة الديمغرافية ميزة تضافُ لميزات فرعية لاشأن لها بقوة العراق في موازين الستراتيجية العالمية ، وتناسوا أنّ التفجّر الديمغرافي يمكن أن يكون قنبلة قد تنفجرُ بوجه صنّاع السياسات والقائمين على تنفيذها .
إنّ من بديهيات الأمور أنّ سكاناً إضافيين يعني أفواهاً إضافية بكلّ مايتطلبه هذا الأمر من ضغط متوقّع على خدمات هي بالأصل متهالكة ، وموارد طبيعية صارت تشحُّ يوماً بعد يوم . إذا كنّا غسلنا أيدينا من حكمة غائبة لدى المسؤولين ؛ فعلامَ لايتنبّه الآباء إلى مايجترحون بحقّ أبنائهم وهد يقذفون بهم في أتون عراق ملتهب بات مستقبله مهدّداً لأنّ القيّمين عليه خذلوه وأذلّوا أبناءه وباعوا مستقبله لقاء ضمان مستقبلهم وحدهم . ماذا ينتظرُ الآباء من أبناء يلقون بهم في وطن ماعاد قادراً على تأمين أبسط شروط الحياة الكريمة لأبنائه الحاليين ؟ ثمّ كيف سيكون الأمر في قادم الأيام ؟
هل مازال بعضنا يرى أنّ الوليد يأتي ورزقه معه ؟ ربما كان الأمر محض إستعارة رمزية مقبولة في بلد لاينهب مسؤولوه خزائنه نهباً فاحشاً كما يحصل في بلدنا اليوم. ألاترون معاناة العراقيين في تأمين لقمة العيش والسكن والطبابة وسائر الخدمات الأولية؟ صرنا نستوردُ كلّ شيء ونفرّطُ بمداخيل النفط ببلادة في إطار سياسة مقصودة ومعروفة جذورها وتبعاتها ومآلاتها؛ فكيف سيكون الحال بعد نضوب مداخيل النفط وبخاصة نحن لم نتحوّط لمستقبل الأجيال بصناديق استثمارية تكفلُ لهم بعض حقوقهم في نفط أسأنا استثماره وصار سبباً في تشويه أرواحنا وعقولنا فضلاً عن شحن جذوة الكراهية بين أبناء مجتمعنا ؟
يحضرُ أمامي دوماً مشهدٌ درامي لطفل صغير يسائلُ أباه أو أمّه عن الاسباب التي لاتجعله يعيشُ حياته كما يعيشها سائر أطفال العالم . لاسبيل لإنكار الحقائق الصارخة وبخاصة أنّ الهاتف النقّال أو الحاسوب اللوحي (التابلت) صار يضعُ المرء أمام الحقائق وجهاً لوجه بكيفية لايمكن دحضها أو تكذيبها . ماالذي يمكنُ أن يقول ذلك الأب أو تلك الأم جواباً على سؤال طفلهما الصغير أو طفلتهما الصغيرة ؟ الأمرُ حقاً شاق ويثقلُ الروح إلى أبعد الحدود ؛ فأنت من جهة لاتستطيع الكذب أو المراوغة - حتى لو كانت مسوغاتك نبيلة المقصد – لأنها ستنفضحُ في نهاية الأمر وستفقد مصداقيتك وهي أثمن ماتملكه في علاقتك مع أطفالك ، ومن جهة أخرى قد تضنُّ بالحقيقة على أطفالك لأنك لاتريدُ لأرواحهم الغضة أن تتحمّل مبكّراً أعباء لابدّ أنهم سيتحمّلونها بعد حين طائعين أو مكرهين . أنت لاتريدُ إفساد براءتهم ، وفي الوقت ذاته لاتريدُ حجب الحقائق عنهم. كم هي قاسية لعينة هذه الثنائية : ثنائية معرفة الحقيقة القاسية في مقابل العيش بجهل يمدُّ صاحبه بشيء من راحة موهومة ولو إلى حين محسوب !!
هل وضعنا في حسابنا تلك اللحظة التي ستتكشفُ فيها الحقائق الصارخة أمام أطفال الحاضر / شباب الغد؟ هل تتخيلُ مشهدهم وهُمْ يكتشفون بعد جهد ومشقة أنهم كانوا ضحايا مجتمع أشبعهم أساطير لاتبني مستقبلاً أو تنشئ عقلاً يستطيع العيش في قلب الثورات التقنية القادمة؟ سيكون سخطهم أعظم بالتأكيد عندما يدركون أنّ الحكومة التي بيدها مقادير صرف الاموال المليارية لم تحسب حساباً للإستثمار في مستقبلهم بل بدّدت تلك الأموال بضروب من التبديد لايستطيعها أو يقبلها سوى الحاقد اللئيم .
أخشى ماأخشاه أن يقف آباء اليوم عاجزي اللسان إذا ماسألهم أبناؤهم : لمَ جئتم بنا إلى هذه الحياة البائسة وأنتم تعرفون أننا سنعاني معاناةً من اليسير تجنبها لو كنا وُلِدنا في غير هذا البلد؟ وخشيتي الأعظم أن يأتي يومٌ يلعنُ فيه أطفال اليوم آباءهم الذين كانوا سبباً للإتيان بهم إلى مجتمع قتل طفولتهم وجعل مستقبلهم رهينة أقدار مجهولة يتلاعب بها الشياطين .
الأطفال مسؤولية كبرى، لعبهُم حقٌّ ولكنّ حقّهم ليس لعباً . هل تحسّبنا لمستقبلهم بما يكفي؟ لاأرى ذلك ، وظالمٌ لنفسه وأطفاله كلُّ من لم يفعلْ .
جميع التعليقات 1
نوزاد عبد الرحمن محمد صالح
نظرية الهبة الديمغرافية باتت شيئ من الماضي علينا بالعراق ان نرفع شعار كفاية 2 لان الاقتصاد القادم اقتصاد ذكي لا يحتاج الى اعداد كبيرة من السكان، اتفق مع راي الكاتبة بان النمو السكاني بالعراق قنبلة موقوتة