اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جملة مفيدة: كر وفر

جملة مفيدة: كر وفر

نشر في: 10 سبتمبر, 2022: 11:57 م

 عبد المنعم الأعسم

في السياسة الكثير من اللُعب، المسلية والمثيرة للضجر، ويقولون ان السياسة نفسها لا تعدو عن لعبة، يخسرها عادة (هكذا يقولون) المَهَرة الذين يثقون بمقولة «لا يصح إلا الصحيح» ويكسبها من يجيد استغلال الظروف وغفلة الخصوم، والادق، من يعرف متى يهرب ومتى يغير.. والهرب والاغارة، ثم الاغارة والهرب، هما ما تعنيهما لعبة الكر والفر المعروفة في الحروب، وفي السياسة، وفي معاملات السوق، والعلاقات العاطفية.

يتحدث الجاحظ عن لعبة الكر والفر من خلال المشهد التالي: “القط يراقب الفارة، فإذا وثب عليها لعب بها ساعة ثم أكلها، وربما خلى سبيلها، وأظهر التغافل عنها فتمعن (الفارة) في الهرب، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها وثبة فأخذها، فلا يزال كذلك كالذي يسخر من صاحبه، وأن يخدعه، وأن يأخذه أقوى ما يكون طمعا في السلامة، وأن يورثه الحسرة والأسف، وأن يلذّ بتنغيصه وتعذيبه”.

اللعبة قديمة، سجلت اولا باسم القط والفأر منذ ان كان للقطط دور كبير في تناسخ الارواح التي مرت بالشرق القديم، وظهور القط المقدس على حجارة الكهوف البورمية، ثم القط الرومي، والقط الفرعوني، وتخطيطات القطط في معابد التبت، ثم القط السيامي بلونه الرمادي، مرورا بهر المطابخ، واجيال قطط الكارتون، توم وجيري، المعروفة.

في السياسة والحروب تنامى شأن اللعبة مع دخول كتاب الرواية والقصص على عالم القطط والفئران، فكتب الدانيماركي هانز كرستيان اندرسن عن القطط كرمز للمنقطعين والعوانس، ثم كتب الكثيرون عنها كحيوانات مسلية للاطفال، ودخلت كتب تعليم الصغار مدخل الشعر: قطتي صغيرة. اسمها نميرة.

وتتمثل لعبة الكر والفر، باختصار، في فنون الوثوب والهرب، الاختباء والظهور، المطاردة والفخاخ، الجر والعر.

ومن زاوية يبدو ان قاعدة الكر والفر تنتسب، منذ الازل، الى العلم العسكري، حين كان (واستمر) الايقاع بـ”العدو” همّا وهدفا للقادة والساسة، وقد عُرّف الكر والفر بـ”المناورة” في ابسط توصيف لوجستي له، اذْ تتبادل الجيوش الكر على بعضها، مثلما تتبادل الفر من بعضها.

في اللعبة العراقية، يشاء البعض (حين يكون فارة) ان يلقي على القط موصوف الشر، ثم يلقي عليه (حين يصبح قطا) اجمل صفات الوداعة، وفي هذه اللعبة يتبادل القط والفارة موقعهما باستمرار، فمن كان قطا في اللعبة يصبح فأرا في نفس اللعبة، ومن كان في موقع المتمكن والمترهّي، يوما، يصبح في الموقع الضعيف يوما آخر، ومن يُستضعف اليوم يستأسد غدا، ومن يُحاصَر هنا، يحاصِر هناك، وتختلف المواقع باختلاف القضايا المطروحة، وبحسب الانواء السياسية، وعلى وفق الصفقات والتحالفات والاوزان، لكن المهم في كل ذلك ان القط، كجلاد، يبقى بأمس الحاجة الى الفار كضحية، وان الاخير لايستغني عن جلاده.. ليجعل منه يوما ضحية له، في تقلب الاحوال والاقدار.. وموازين القوى.

تلك هي اللعبة..

القضية.

***

«يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يريد ما يشاء”.

شوبنهاور

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

 علي حسين انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب...
علي حسين

قناديل: تشويه صورة تشومسكي

 لطفية الدليمي ماذا عساك تفعلُ عندما تسعى لتشويه صورة إنسان معروف بنزاهته واستقامته الفكرية والانسانية؟ ستبحث في التفاصيل الصغيرة من تاريخه البعيد والقريب علّك تجد مثلبة (أو ما يمكن تأويله على أنه مثلبة)....
لطفية الدليمي

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

محمد الربيعي هذه المقالة تتبنى ما طرحته في كتاباتي السابقة وتعيد ما اكدت عليه في سياقات مختلفة. اسأل القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالي مسامحتي ازاء الالحاح في التأكيد، فالحاجة تدعوني لاعادة النظر في هذه...
د. محمد الربيعي

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

لينا اونجيلي ترجمة: عدوية الهلالي في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات...
لينا اونجيلي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram