بغداد/ أنس الشمري
بين التسوّل والدعارة والرقص في النوادي الليلية، يضيّع سماسرة الاتجار بالبشر، ملامح البراءة من أوجه فتيات قاصرات، أصبحن ضحية تلك الآفة الخطيرة التي يحاسب عليها القانون بعقوبات تصل إلى السجن المؤبد.
كثر في الآونة الأخيرة ظهور فتيات بأعمار قد لا تتجاوز الـ 16 عاماً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهن على خشبة بعض النوادي الليلية والملاهي لتقديم وصلة رقص مقابل رشقة دنانير من الجمهور، تعبيراً عن رضاهم عن ما تقدمه لهم من إغراءات تحت ضغط سماسرة ومختصين في مجال الاتجار بالبشر.. فكيف أصبحت تلك القاصر على منصة ذلك النادي الليلي، وماذا ينتظرها بعد العمل بهذا المجال من عقوبات؟.
وزارة الداخلية العراقية، أكدت أن القانون العراقي، لا يسمح بعمل تلك الفتيات في النوادي والملاهي الليلية، مبينة أن تلك الأعمال تقع تحت مسمى "الظواهر المخالفة للآداب العامة".
متحدث وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا قال في حديث لـ (المدى)، إن "عمل وزارة الداخلية يقتصر في الأماكن الليلية التي يرتادها المواطنون، على منع دخول الأحداث والقاصرات إليها، سواء كان لداوعي العمل أو الارتياد".
وأوضح، أن "عمل القاصرات والأحداث ودخولهم إلى النوادي الليلية مخالف لقانون الأحداث، ونحن من مسؤوليتنا منع أية ظاهرة مخالفة للآداب، ولدينا إجراءات قانونية ضد صاحب المقهى في تلك الحالة، وعدا تلك المخالفات، وزارة الداخلية لا تتدخل؛ لأن باقي المخالفات تخص جهات معنية أخرى"، مبيناً، أن "بعض الأماكن تستخدم مصطلح (كافتريا) للتغطية على أعمال دعارة تحدث فيها، ونحن نتوقف عندها ونحاسب صاحب المكان والمقصرين".
وبالتعمق في قضية الاتجار بالبشر واستغلال الفتيات للعمل في النوادي الليلية، تبين أن تفعيل قانون الجرائم المعلوماتية كفيل بإحباط 90% من تلك الحالات. مدير قسم مكافحة الاتجار بالبشر في بغداد/ الكرخ العميد وسام الزبيدي أكد لـ (المدى)، أن "أكثر حالات الاتجار بالبشر تكون عبر التسوّل، فيما أصبحت النوادي والملاهي الليلية مهنة لدى بعض الأشخاص".
واضاف، أن "المادة 10 من قانون رقم 28 لسنة 2021 يمنع عمل القاصر في الملاهي والنوادي الليلية وهنا تسمى القاصر ضحية".
وتابع، أن "السبب الرئيس في كثرة وجود القاصرات في الملاهي الليلية وتنامي تلك الحالة، هو عدم تشريع قانون جرائم المعلوماتية الذي لو تم تطبيقه لقضى على 90% من حالات الاتجار بالبشر، حيث ليست لدينا رقابة على المواقع الإلكترونية خاصة وأن هناك ممنوعات تباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك هناك إيقاع بضحايا، واستدراج لقاصرات ومن ثم تحويلهن إلى ضحايا للأسف".
وبين، أن "أغلب قصص استغلال القاصرات والإيقاع بالضحية تبدأ عن طريق (شركة وهمية) يتم الترويج لها عن طريق شخص يقول إن تلك الشركة تابعة له، وعلى أنه يعيش بترف، في المقابل هناك فتاة تعاني من مشاكل داخل منزلها بسبب قلّة الوعي الثقافي لدى ذويها، ويظهر لها صاحب تلك الشركة أثناء التصفح في الفيسبوك لتقع في حبه بعد تواصل لعدة أيام، ليغويها بالزواج، وتقوم الأخيرة بالهروب من أهلها في ساعة متأخرة من الليل للتوجه إلى ذلك الشخص، وعند وصول الفتاة إلى موقع الجاني ترى أن المكان المتفق عليه فيه أكثر من شخص ينهالون عليها بالضرب ويطلبون منها طلبات دنيئة، لتظهر مؤخراً امرأة تعرض على الفتاة إيواءها وإنقاذها من هؤلاء المجهولين، وتتظاهر بأنها القلب الحنون ولكنها في الحقيقة (سمسار المجموعة)".
ويضيف العميد، ثم بعد ذلك تقوم (السمسارة) بنقل الفتاة إلى أربيل أو السليمانية أو بغداد أو مكان آخر، وإجبارها بشتى الطرق على العمل كراقصة في النوادي الليلية أو ممارسة الدعارة، وهنا تصبح الفتاة بين نارين، الأولى العودة إلى ذويها بمصير مجهول، والثاني البقاء مع تلك المجموعة، لذا تصبح تلك الفتاة (القاصر) ضحية تلك الشبكة وتصبح أما راقصة في نادٍ ليلي أو تعمل في الدعارة أو التسوّل".
وأضاف، "مقارنة بالأعوام الماضية هناك تراجع في أعداد حالات الاتجار بالبشر سواء على مستوى الدعارة أو التسوّل، خاصة وأن الأحكام الصادرة بحق الجناة في هذه القضايا تصل إلى 15 عاماً أو المؤبد"، مبيناً، "نطمح إلى تقديم محاضرات في الجامعات والمدارس لتعريف وسائل الجناة ومخاطر هذه الجريمة والأساليب المتبعة فيها".
وبين، "لدينا تواصل مع سلطات إقليم كردستان على أعلى مستوى، ولدينا فرق عمل مشتركة لضبط بعض حالات الاتجار بالبشر والضحايا القاصرات اللاتي يتم نقلهن إلى إقليم كردستان لأغراض الاتجار بهن". ويضيف الزبيدي، "من أبرز قصص الاتجار بالبشر التي صادفتنا في إطار التعاون مع إقليم كردستان، قمنا بإعادة طفل كان بحوزة والدته المريضة نفسيا والهاربة من العاصمة بغداد نحو أربيل وكانت تروم بيع طفلها لشخص معين".
ومن ضمن قصص استغلال الفتيات، روى العميد قصة (فتاة قاصر) "كان شخص قد استغلها وتوجه بها إلى إقليم كردستان، وقد ولدت طفلا وتم تسجيله باسم شخص يدير شبكة اتجار بالفتيات، وترك الطفل في أربيل دون التفكير بمصيره، وتم العثور عليه ونقله إلى بغداد إضافة لوالدته الفتاة القاصر (الضحية)".
وبالتوجه إلى إقليم كردستان، للتعرف على ضوابط عمل النوادي الليلية والملاهي، أكدت هيئة السياحة هناك، أن "تواجد القاصرات والأحداث بغض النظر عما إذا كان لدواعي العمل أو الارتياد، أمر يمنعه قانون عمل تلك النوادي".
إبراهيم عبد المجيد مدير إعلام هيئة السياحة في إقليم كردستان أكد لـ(المدى)، أن "هيئته والجهات المعنية الأخرى في الإقليم تعمل على إعادة صياغة بعض القوانين، فضلاً عن إجراء تعديلات بشأن عمل النوادي الليلية"، مؤكداً أن "القانون لا يسمح بافتتاح تلك الأماكن دون وجود إجازة رسمية".
وبين، "عند ضبط مواقع ليلية تمارس فيها الدعارة أو مخالفة قانونية في هذا الإطار، يتم تشكيل لجنة متخصصة من القوات الأمنية وهيئة السياحة ويتم غلق المكان واعتقال المسؤولين عنه".
وأضاف، "عمل القاصرة في النوادي الليلية سواء كراقصة أو نادلة أمر ممنوع ضمن قوانين عمل النوادي الليلية، بغض النظر عن جنسية تلك القاصر سواء أكانت من إقليم كردستان أم من مناطق وسط وجنوبي العراق، أو حتى إن كانت من جنسية عربية أو أجنبية، ومن ضمن قوانين عمل تلك النوادي والملاهي الليلية هو أن تكون بعيدة عن المنازل".
وأشار عبد المجيد، الى أن "الأحداث والقاصرات ممنوعون من الدخول إلى المقاهي أيضاً، سواء أكان كارتياد أم عمل، وعند وصول إخبار لنا يتم التوجه إلى المكان وفي حال إثبات وجود فتاة قاصر أو حدث في المكان تتم محاسبة صاحب المكان".
الصحفية والناشطة النسوية منار الجاف، كان لها رأي آخر، حيث أشارت إلى أن "الفتاة أو حتى الشابة التي تعمل في الأماكن الليلية، تكون الرغبة الداخلية هي الدافع الرئيس لعملها في ذلك المكان، وهنا لا نبرئ شبكات السمسرة واستغلال النساء والفتيات، فهم وسيلة للوصول إلى مثل هكذا أماكن في حال الرضوخ لهم".
وأضافت الجاف في حديث لـ(المدى)، "أرى أن عمل الفتاة في الأماكن الليلية يعود بالدرجة الأولى والأساس إلى رغبة داخلية لديها قد أوقعتها في فخ الاستغلال والاتجار بالبشر"، مبينة، أن "هناك فتيات قاصرات يعملن في مجالات أخرى بعلم وطلب من ذويهن بسبب الحاجة الماسة سواء في الخياطة والبيع في الأماكن العامة، ولكنهن لم يذهبن نحو النوادي الليلية والملاهي والعمل في مجالات يرفضها العرف الاجتماعي والشريعة الإسلامية".
وتابعت الجاف، "الاستغلال وشبكات الاتجار بالبشر وتحديداً النساء، موجودة، ولكنها لم تتمكن من استغلال جميع نساء وفتيات الكون، وهنا نعود إلى نقطة البداية وهي أن الفتاة والمرأة البالغة لديها فكر ولديها معلومات مسبقة عن مصيرها بعد السير في مثل هكذا طرق". وتشير الناشطة النسوية، إلى أنها ترى "أن مواقع التواصل الاجتماعي لديها أثر كبير في تنامي تلك الحالات ولكن في نفس الوقت مواقع التواصل توضح وتبيّن المصير المجهول للفتيات اللاتي يظهرن في المراقص والنوادي الليلية عبر الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن اطلاعهن على كمية التعليقات السلبية التي تنهال عليهن، وهذا أمر إيجابي، بمعنى أن الفتاة تشاهد نظرة المجتمع لنظيراتها بالعمر اللاتي يعملن في الملاهي والنوادي الليلية، وهنا نتحدث عن حدّ فاصل بين السقوط في البئر والهرب من الفخ العميق". وختمت الجاف، "الأزمة الاقتصادية أيضاً ساهمت في تنامي حالات استغلال القاصرات خاصة اللاتي يعاني ذووهن من حالة مادية صعبة، ولا ننسى أن غياب قانون جرائم المعلوماتية يفتح ساحة لتجار البشر للعمل بأريحية أكثر مما لو كان هناك تطبيق للقانون المذكور".