علي حسين
لا أعرف عدد المرات التي قرأت فيها مؤلفات جان بول سارتر، متمعناً في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذا الكاتب الذي كان يمنّي النفس في أن يصبح شاعراً، فالأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، هكذا قال ذات يوم لسيمون دي بوفوار، وكنت دائما أسأل نفسي ماذا يمثل هذا المثقف ؟
هل هو المفكر الملتزم أم البوهيمي الذي قضى حياته يتنقل من مقهى إلى مقهى، أم المناضل السياسي الذي دافع بشراسة عن الجزائر وكوبا وفيتنام؟ هل هو الفيلسوف الذي كتب أصعب المؤلفات وأعقدها "الكينونة والعدم" أم كاتب المسرحيات التي حظيت بإقبال جماهيري كبير؟.
تذكرت سارتر وأنا أقرأ آراء مفزعة لمن يحسبون أنفسهم في خانة المثقفين ، البعض منهم صمت في مواجهة مثيري الفتنة الطائفية، والبعض الآخر ذهب أبعد من ذلك بتأيده الشديد، ولم يكتف بذلك بل اخذ يلقي علينا دروساً في التاريخ الذي لا نعرفه، حسب قوله... تساءلت مع نفسي؛ ماذا حدث لأصحاب الرأي؟، ما هو دور المثقف العراقي؟ ولماذا ارتضى البعض أن يُقصي نفسه عن أحداث بلاده؟، ويفضل عدم الانغماس في مشاكل البلاد، ولماذ تحول بعض أصحاب الرأي إلى فئة مستعدة لتقديم ما تطلبه السلطة والطائفة ؟ .
نقرأ سارتر فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود. وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض. دائماً محملين بأطنان من الأكاذيب وأكوام الخطب. ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية .
ظل سارتر يرفع شعار "لا" لجميع أنواع الفشل والخراب ، فقد ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لسياسي أحمق، أو مجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية .
كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب العبثية، فإذا بهم يجدون أن الوطن يخطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد.
وأعود إلى فيلسوف الوجودية لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو الفشل والجهل ، حيث تجد الناس نفسها أسرى لأصحاب الصوت العالي، فيما الفاشل يصرّ على أن يبيع للمواطن أمجاداً زائفة .
يكتب هربرت ماركيوز الذي اشعلت كتبه ثورة الطلبة في فرنسا عام 1968 ان : "موت المثقف يكمن في تخليه عن وظيفته المتمثّلة في تحرير الوعي من الأوهام، ورفض الأوضاع السائدة والانعتاق منها. إنّ مهمّة المثقف هي صون الحقيقة من الضياع، المثقف هو من يرفض التسوية مع الفئات المسيطرة".
للأسف هناك فئات لا تزال تمارس لعبة "لا أرى لا أسمع لا أتكلم"، وترفض أن تصدّق أننا نعيش عصر المهزلة السياسية بامتياز .
ماذا حدث لنا ايها السادة ؟