عبد المنعم الأعسم
على مدار الساعة تداهمنا اخبار يقال عنها مفاجئة، او مثيرة للاستغراب، او بمثابة قنبلة دخان، وهي تعلن عن لقاء احد السياسيين العراقيين بسياسيّ آخر من معسكر آخر يدخل اسمه في قائمة الخصوم او المعارضين أو احيانا "المتآمرين" او "المنشقين" ويتطور الخبر، بحسب وظيفة التخيُّل وموهبة المتخيِّل، الى رواية وابطال ودول،
والحال ان بعض هذه اللقاءات قد تتم عرضا في صالة مطار او في احد الفنادق أو حتى في مناسبة اجتماعية عابرة، لتلتقطها عين المحمول، ثم لتصبح مادة اعلامية مثيرة، فصفقة.
وحتى لا نبسّط الامور، ولا نتعامل مع هذه الاخبار بسذاجة، فان ثمة لقاءات حقيقية (قليلة ومتباعدة) تجري بين لاعبين من اطراف متخاصمة، بهدف استبيان خلفيات المواقف او أبعادها أو مدياتها، او للبحث عن مفاتيح للخروج من الدوامة السياسية، وقد يبادر هذا السياسي أو ذاك الى عبور حاجز الحساسيات و"المحرمات" ليلتقي بآخر من جهة مناهضة أو من معسكر "عدو" في محاولة لتبادل النقاش في قضية يمكن لها ان تتوضح فقط على طاولة في صالة بعيدة عن الانظار، وليس بالضرورة ان يسفر اللقاء عن اتفاق، فان غالبية مثل هذه اللقاءات لا تصل الى نتيجة بسب الجدار الكونكريتي الصلب من انعدام الثقة والريبة والشكوك التي عشنا تفاصيلها طوال حوالي عام.
والحق ان للصفقات شروط معقدة ورجال محترفون. يقول السياسي النمساوي الشهير في القرن التاسع عشر كليمنز فون مترنيخ وهو يدافع عما عُرف به كمهندس للصفقات "ليس كل لقاء بين السياسيين يعني وجود صفقة.. لا تدنسوا سمعة الصفقات" وتقوم "امجاد" مترنيخ على صناعة اتفاقات مثيرة (سميت صفقات) بين ممثلي الاطراف المتحاربة في اوروبا، وقد عرف على نطاق واسع ان اولئك السياسيين كانوا يشتمون بعضهم في الممرات التي توصل الى صالات الاجتماعات، لكنهم سرعان ما صاروا يتصافحون لأنهم جنبوا بلدانهم المزيد من الحروب.
المشكلة لدينا تتمثل في ضيق حوصلة الجماعة القابضة (الان) على مشيئة ما تبقى من اسمال العملية السياسية وازدرائها لخيارات الاعتراف بالفشل والاستعداد للتنازل والمبادرة الى تصويب المواقف الخاطئة، وقلة امثلة الشجاعة في التراجع والمراجعة، وضعف الاحتساب لتقلبات الانواء واملاءات المستقبل، وكل هذه الاحكام الضرورية لابد ان تتم، اولا، عبر لقاءات مسبوقة بنقاط بحث مكشوفة وواضحة وذات صلة بجوهر ازمة نظام الحكم، وثانيا، ان يتولاها وينهض بها اشخاص لا يمتون بصلة لحثالة الفساد والخراب والفشل، وهكذا، فان دعوة السياسيين من مختلف المعسكرات إلى التلاقي وعبور الجسور المغلقة، تبدو من زاوية معينة دعوة ساذجة، برغم التطبيل المُفخم لها، فماذا يعمل السياسي إذا لم يلتق بالسياسي الآخر؟
والحال، نحتاج الى إعجاز لكي نصدق انهم صادقون.
استدراك
**********
"لا يقود الثورات رجال يرتدون نظارات".
هولمز- شاعر أمريكي
جميع التعليقات 1
عدي باش
الغرف المعتمة شهدت ولادة الكثير من الثورات .... و الصفقات !!!