علاء المفرجي
- 2 -
في أسبوع واحد من عام 1065 شاهدت سونتاغ بين ثمانية الى أحد عشرة فيلما. لكن لم يكن لديها، الا نادرا، ما تكتبه حول أعمال المخرجين الامريكيين الكلاسيكيين، وأنا أشك بأن السبب سيكون موجودا في قائمة اخرى تعدّها – ( افلام شاهدتها وأنا طفلة، عندما ظهرت لأول مرّة على الشاشة. ) انها قائمة من خمسين فيلما،
من ضمنها « المواطن كين «، « الدكتاتور العظيم «، « ظل من شك «، « احلى سنوات عمرنا «، « كازابلانكا «، « شقراء الفراولة « و» ساحر أوز «. مقارباتها النقدية لأفلام هوليوود – هذا يعني، تجاهلها جوهريا - تبيّن لنا انها لم تستطع أن ترتب تسلياتها التجارية والعامّية في عطلات نهاية الاسبوع بجانب روائع بيكاسو التكعيبية ورباعيات بيتهوفن. وهذا يفسّر يوميات اخرى مربكة حول الأفلام، من نفس السنة : (( أفلام ’’ الدرجة صفر ‘‘ مثل أفلام- بي [ أفلام بميزانية واطئة من نوعية رديئة ] – غير محكمة الشكل؛ بدلا من ذلك، عنف الموضوع واضح ).
ينتبه ريتشارد برودي الى أن غودار والآخرون من الموجة الجديدة الفرنسية لم يعيروا إنتباها الى التصنيف الداخلي للاستوديهات من الأفلام من صنف أي أو بي؛ السبب الوحيد الذي يجعل النقّاد أمثال سونتاغ يكلفون أنفسهم عناء مشاهدة أفلام- بي، في 1965، كان أن اولئك المخرجين، وجيل من أسلافهم، حددوا مخرجين عظام وأعمال عظيمة يتوارون خلف وظائفهم المزدرية في تلك الافلام الرديئة، ورأوا أنهم يمكن أن يكونوا أي شيء عدا كونهم لاشكلانيين وواضحين. عَرِفتْ سونتاغ ان ثمة شيء ما مهم في افلام مثل هذه، لكن هذه الأفلام تنتمي الى ذات سونتاغ الأكثر شبابا والأقل دراية، لذلك أبعدتهم الى فئة الـ ’’ معسكر ‘‘ وعاملتهم كعالم منفصل – ورفضت مساهمتهم في ما إعتبرته فن السينما الحقيقي، سينما غودار.
أنا مع التفسير. عنوان مقالة سونتاغ الشهيرة « ضد التفسير «، الذي اصبح ايضا عنوانا لكتاب يضم مجموعة مقالات لها، لا يلائم طريقة ناجعة في مشاهدة الأفلام، سواء كانت أفلاما لهتشكوك أو لغودار.
تؤكد سونتاغ على أن ( الوضوح هو اليوم القيمة العليا، والأكثر تحررا في الفن – وفي النقد، ) وإستشهدت، كامثلة، بأفلام بريسون وأوزو وفيلم رينوار « قواعد اللعبة «. لم يمكنها ان تجد أي أفلام هوليوودية تضعها في القائمة، لأن مخرجي هوليوود، في الواقع، لم يسعوا وراء الوضوح ولم ينجزوه، بل خلقوا أنظمة رمزية محكمة بواسطة براعة إستثنائية. عندما يُظهِر هتشكول لفة شعر كيم نوفاك المشدودة من الخلف في فيلم « فيرتيغو «، فهو لا يعرض مهارة تصفيفة شعر بل يبدع بديل تناسلي، شبكة ايروتيكية ليوقع في شركها الضابط اللامبالي جيمس ستيوارت. ( وفيما بعد، في الفيلم، يعرض هو مهارة تصفيفة الشعر – كي يمسرح الهاجس الفتشي للسينما، وهاجسه الخاص به، ببراعة. )
حين تتنازل سونتاغ بالإشارة الى مخرجي هوليوود، فأنها تسيء فهمهم، تكوّمهم مع نظام استوديو كمجموع وتضغطهم داخل حدود تحاملها النقدي : ( في الأفلام الجيدة، هناك دائما إخراجية تحررنا بالكامل من الشهوة الى التفسير. العديد من أفلام هوليوود القديمة، مثل أفلام كوكر، والش، هاوكس وعدد لا يحصى من مخرجين آخرين، لها هذه الطبيعة التحررية مقابل الرمزية، لا أقل من أفضل أعمال المخرجين الاوربيين الجدد، مثل فيلم « اطلق النار على عازف البيانو « و» جول وجيم « لفرانسوا تريفو، « على آخر نفس « و» تحيا حياتها « لغودار، « المغامرة « لأنطونيوني « و» الخطيبة « لأولمي. )