ثامر الهيمص

غزلت لهم غزلا رقيقا فلم اجد ..... لغزلي نساجا فكسرت مغزلي

هذا البيت للامام الغزالي ليتجه بعده متصوفا . ولكن غزله لا زال صادحا , ولم يتخذ هذا البيت ذريعة . وقيل لنا , لمن تلقي مزاميرك يا داود , لنقول متدرعين بالحديث النبوي :

( من رائ منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يستطع بلسانه ومن لا يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ) . فالكتابة تجمع اليد واللسان . وبما ان السكوت من الرضا ’ فلا نسكت عن الحق تجنبا لحشرنا مع الشيطان الاخرس ’ او شهود الزور .

الدورة الخامسة الحالية ’ جاءت مكملة للدورات الاربع لتزيد طينهن بله بالانسداد الذي يقضي سنته الاولى . بجردة متناهية في البساطة وهم ممثلي الشعب ومرددين قسما يقصم الظهر , لم نلمس جهدا استثنائيا ازاء حالات استثنائية وحصرا من لجان الاختصاص المتصدين للشاذ واللامعقول والامقبول وغير القانوني وغير الدستوري وفق ابسط مقاييس الاداء .

نعم اثبت البرلماني العراقي انه( الاستثناء الذي اثبت القاعدة) فالقاعدة لا تحتاج الى مسوغات , اذ ان القانون الاقتصادي كان ساريا في روما القديمة او امبراطورية الانكا بنفس درجة صلاحه اليوم . ليست هناك ظروف خاصة لثقافة او دين او سياسات يمكن ان تلتف حول هذا القانون . قائدا وحكومة تصاب على ما يبدو بغرور السلطة . حيث ان التاريخ الاقتصادي لديه سجل طويل من السياسات الحكومية التي فشلت , كونها كونها وضعت على نحو يتجاهل قوانين الاقتصاد . ويساعد المستشارين والفلاسفة القوى لانتاج اي عدد من الخطط التي تسير على نحو اقتصادي غير مسؤول , لكنهم دائما ما يكشفون . لذلك فان الاقتصادي الحق هو من (لا يكون اثيرا ابدا عند المستبدين والديماغوجيين . فهو معهم سيكون دائم الازعاج . وكلما ثبت لهم في انفسهم ان اعتراضاته تقف على ارض صلبة ، زادهم كرها له ).

فابرز استثناء الذي اسس لثبات القاعدة هو الامتيازات الاستثنائية من الراتب الى التقاعد , وهو يعلم علم اليقين انه يخالف قانون الخدمة المدنية من جميع الوجوه وهو كقانون عام بدون استثناء شاذ اسسه احتلال, هذا ما يجعل المستفيد غير عابئ بجميع الشذوذ في الاداء والظواهر كونه يراها من زاويته غير الشرعية كليا , فالملفات الاستثنائية الناجمة عن الاداء البرلماني كثيره ومنسجمه مع حجر الاساس الاستثنائي في امتيازاته . الذي هو الثمن .

فهم اي البرلمانيون يعلمون او المفترض كذلك ان جيراننا مأزومون بعلاقاتهم التجارية نتيجة العقوبات و الركود الحاصل في دبي والامارات الصغيرة الاخرى , وما يتعرض له الاقتصاد التركي من انكماش عال يتمثل ببطالة عالية وتدهور الليرة التركية , فضلا عن التدهور الصارخ في الاقتصادين السوري والايراني . الشريكان القويان للعراق بسبب العقوبات المالية والاقتصادية الدولية . ليتحول التاجر العراقي الى لاعب تجاري ومالي ووسيط , شريطة تأدية دوره في تحصيل العملة الاجنبية من مزاد البنك المركزي بأي ثمن وتحت اي ذريعة ’ بما فيها الاستقرار الاقتصادي وتجفيف موارده المالية . ( مظهر محمد صالح / الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق / ص36/37 /20131) . الدول التي تعاطينا معها تجاريا استهلااكيا اثنان منهما قطعا ماء الرافدين , لم نسمع وفدا برلمانيا يضم برلمانيين يتمتعون بعلاقات مريحة مع الاخ الاكبر ليضغطوا على برلمانيي دول المنبع , في اخطر ملف , اقتصاديا تنمويا ديمغرافيا . وهكذا ملف ال 90% من ايراد العراق ومعاشه وهو قانون النفط والغاز الذي اشتكى منه الرف لطول الاقامة , هل بسبب التحاصص ام النظرة احادية الجانب من خلال استثناآت الامتيازات ام كلاهما , ام انتظار التحاصص قصير النظر ؟.

وهكذا ملف الكهرباء العتيد الذي لم تصل شروره لمنتسبي الخضراء عادة, لم نسمع تحركا نوعيا امام استثناء يثبت القاعدة التاريخية لدور البرلمان , لنصل الى معاش الناس اليومي من خلال الموازنة باعتبار الحكومة الممول الاوحد للتشغيل والاستثمار والتوظيف , على الاقل وكحد ادنى يستوجب اقرارها احترما للناخب لكي لا يحرج ويسمع كلمات الاغلبية الصامتة باللوم على المراهنة , ولكن نسمع ايضا عن المسكوت عنه برلمانيا مثلا ملف الفضائيين وملف المنافذ واجازات الاستيراد الانفلاتية المعومة , والقاسم المشترك الاعظم هو ملف الفساد السر المفضوح منذ فجر ديمقراطيتنا العتيدة . حيث تم وضع الرقابة المالية في تجميد لتصبح خيال مأته والله اعلم . لنسمع اليوم 25/9 وفي الصحافة الرسمية بالبنط العريض عن تبخر 800 مليون دولار من خزينة هيئة الضرائب اي اكثرمن ترليون دينار عراقي . هذا ما ساهم به البرلمان الجديد في كشف جزء من جبل الثلج الذي يتمرجح مزهوا صلفا في بحر الفساد بدعم حيتانه .

خلاصة ما تقدم بات من المؤكد ان البرلمان الحالي واخوته السابقين هم نوائم توائم الا ما مارحم ربي لمن ضاعوا ولم يضعيوا ولكن مشهود لهم فقط بالاستقامة واللوائح المنسية . كونهم ليس لديهم علاقة بالحبل السري خارج البرلمان .

ولذلك كان ولا زال الحراك الشعبي هو البرلمان الحقيقي عمليا عندما اسقط حكومة كانت تختزل سلبيات وعثرات من ورثتهم , اذن هناك علاقه طردية بين قلة الناخبين وفشل السلطة التشريعية , والعكس اصح . ولكن الحراك الشعبي غالبا ما يرتبط بالمباشر من المطاليب من جدول الفقر الى البطالة وصولا للخدمات الاساسية ’ وهذا مؤشر كاف على غياب الملف الاقتصادي في جدول اعمال البرلمان اذ ترك للجان الاختصاص وما تتوصل له من قناعات وتوافقات .

ليس الاصلاحات ممكنة الا اذا ضغط المجتمع على السلطة , ولا تتوقف فقط على ضغط النخبة بوجوب اعادة صياغة شرعيتها , فغالبية الاصلاحات هي نتيجة ضغط المجتمع . ولاجل الحيلولة دون الازمة الناجمة عن الفساد الاخلاقي للنظام . (أن شينغ / الفكر في الصين اليوم / ترجمة د.محمد حمود / ص 180 / 2019 ط الاولى ) . قد يتذرع البعض بادراك العوام بما يتعلق بدرجة الوعي بسبب الامية الجديدة والدجل المصاحب ولكن المطالب الاساسية كافيه لازاحة اغلب المسببات حيث الوعي بها بات بديهية وعرف عند المحترفين .

ولكي لا تتكرر الظواهر المعرقلة عموما , وبما اننا ديمقراطية ناشئة يقتضي اكمال اركانها الدستورية التشريعية من خلال الغرفة الثانية للبرلمان ليسند وتسنده المحكمة الاتحادية امام تغول البرلمان ولكي لا يخضع مجلس الشيوخ العراقي لابتزاز البرلمان , ينبغي دستورا متناغم وفلسفة برؤية عراقية تعلو على الهويات الفرعية . ترعى اولا الف باء التنمية المستدامة البنية التحتية للهيكل الجديد يبنيه جيل جديد عراقي الهوى والرأي السديد , حيث عقمت الشعارات المتحاصصة .