علاء المفرجي
كرست السينما كفن بفضل رجالاتها الحالمين. هذا الفن (وليد الآلة) يقف في مواجهة الفنون الاخرى كونه الفن الاكثر أصالة، وقد نصل الى وقت تكون فيه السينما الفن الوحيد القادر على الاستجابة للاحتياجات الجمعية الكبرى كما يرى (هنري اجيل) ،
من يصدق من الجيل الجديد أن أندريه مالرو يقدم مشروعه عن سيكلوجية السينما ويصنع سيناريو شريط (الأمل) . ويرتبط اسم مارغيت دوراس طليعة كتاب الرواية الجديدة بواحد من أهم كلاسيكيات السينما (هيروشيما حبيبتي).. وكاد جان كوكتو ان ينصرف عن الشعر بسبب عشقه للسينما التي وجد فيها (الكتابة بالصور)، وفهم بولتير واراغون وبريخت وبريفر الرهانات المعلقة بهذا الفن الجديد الى الحد الذي جعلهم يعملون فيه.
(ايتالو كالفينو) الذي أسهم في منح الثقافة الإيطالية شخصيتها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، زامن إبداعه تألق السينما الإيطالية عبر اهم منعطفاتها، الواقعية الإيطالية روسلليني، فلليني، وآخرون ، يوثق عشقه للسينما في نص في مجموعته (الطريق إلى سان جيوفاني) يحمل عنوان (مذكرات مرتاد سينما) يقف فيه كالفينو متأملاً، مراقباً تحولاتها، راصداً حركة شخصياتها وكأنها من صنع الأحلام، تارة برؤية عاشق يتوله بعالم ينبثق له في حلكة الظلام، واخرى ببصيرة ناقد يجهد في استيعاب مرموزات هذا العالم، فهو يرى ان السينما مرحلة لا غنى عنها في تكوين الشخصية من اجل فضاء مختلف للمرء..
في هروبه من المدرسة للسينما كان يرى أنصاف أشرطة، وقد أكمل بعضا منها في التلفاز بعد أربعين عاما، دخول السينما والخروج منها فيه تباين لوقتين مختلفين.. الوقت الطبيعي ووقت الشريط (تعطيل مؤقت للزمن، او في إدامة حياة الخيال) ثم العلاقة مع السينما تؤشر لعلاقات مع مدن وعوالم مختلفة كجزء من تجربة اكثر تعقيدا. وجود النساء في السينما له طابعه المتفرد ويثير في الذاكرة نمط تصور خاص . يعلق في الذهن الانفعال الاول لمشاهد (غريتا غاربو) او مثاليا كمارلين ديتريش التي تظهر كموضوع للرغبة وانموذج المرأة التي تنافس الرجال في العزم والتصميم والذكاء يجده في (ميرنا لوي)..
يكتشف كاليفينو، طبقا لمذكراته، السينما الفرنسية التي يجدها تختلف تماما عن الأمريكية في كونها (تعطي دورا كبيرا بتوطيد الرابط الخاص في الأماكن التي عرفتها من التجربة والأماكن الأخرى.. السينما لديه تاريخ أو ربما مسافة بعد انتهاء الحرب التي حظرت فيها الأشرطة الامريكية، يرى مرحلة الفاشية شريطا فاتته بدايته ولم يتمكن من تخيل نهايته..
في مذكرات هذا «المرتاد» تشخيص دقيق لواقع السينما الايطالية حيث (يستطيع المرء توقع الكثير من التميز الفردي للمخرجين، لكن القليل جدا مثل أسطورة متوهجة تجتاح ذاكرته حيث تواصل الطفولة واقتراب الرؤية.. فلليني لم يفقد ابدا الاتصال بالجمهور حتى بعد ان صارت اشرطته اكثر تعقيدا.. فضيلة فيلليني انه يجعلنا نعترف بان اقصى ما ينبغي الابتعاد عنه يرتبط بنا في الواقع.. وان الشريط الذي نشاهده ليس سوى حكاية أيامنا).
يرى كالفينو أن السينما تعلمنا كيف نندمج ونتكيف مع الخرافة لكي نستثمر آمالنا فيها، تجبرنا ان نعي كيفية رؤية وجودنا اليومي..
من حسن طالع هذا الفن ان يكون في مرصد كالفينو الذي يقول أخيراً: (كان تدريبي كمرتاد للسينما عملا بطيئا وصعبا، لهذا فإن الذي أتحدث عنه تفجر منه).
يتبع