علاء المفرجي
لا توقظ القراءة لدي سوى صور غامضة؛ قد تأسرني الصور أيضا في الأحلام، لكنّها متناقضة هي الأخرى وهاربة. النظرة التي ترى بها السينما الأشياء تقترح الامتلاء والإدراك: انها مدركات مشبهة لحقيقة غائبة.
هكذا تكتب سيمون دي بوفوار كاتبة ومفكرة فرنسية، وفيلسوفة وجودية، وناشطة سياسية، ونسوية إضافة إلى أنها منظرة اجتماعية، في الجزء الرابع من مذكراتها والمعنون (وإنتهى كل شيء)، ففي هذا الجزء من المذكرات تكتب بوفوار عن السينما باعتبارها احدى روافد المعرفة الإنسانية التي أسهمت في صياغة افكارها، التي كان لها حضورا فاعلا خلال القرن المنصرم. وتعترف أن السينما وفي بعض نتاجاتها على مدى تاريخها قدمت لها ما لم يقدمه الكتاب، وفي هذه المذكرات تقدم براهينها من خلال أفلام، ومخرجين وممثلين. بل انها تقدم من خلال حقبة معينة للسينما.
تتحدث بوفوار عن سلكة الصورة في كونها تمنحها وهم الحقيقة، تقول: “اغادر نفسي عندما ادخل الى السينما، من الطبيعي أن اخلّف الماضي ورائي وأنا أتفاعل مع الشريط لكنه لايقع على كاهلي: ان مشروعي الوحيد هو تأمل الصور التي تتواتر أمام عيني. فأعتبرها حقيقة دون أن يكون هناك تدخل خارجي»... تضيف أنها تولي اهتماما كبيرا لوجوه الممثلين. تنأى الوجوه عن التحليل، عن التصور والكلمات”
تقول بوفوار في مذكراتها أنها السينما تفتح عينيها على أرياف ومناظر طبيعية لا أعرفها: “أنها تثري فكرتي عن الأرض وتجعلني أنتقل وسط ديكور مألوف.
ترى بوفوار أنه “يحدث في السينما أن تشدني أفلام قد تبدو لي غريبة لو أني قرأتها في روايات: أسقطت مغامرات جيمس بوند من يدي في شكلها المطبوع. فيلم أسرع من الكتاب بكثير: بنظرة واحدة أمسح مشهدا من الصعب وصفه باقتضاب، في المقابل يفشل الكاتب فشلا ذريعا في الإقناع لو تعجل في نية خلق سرعة في الأحداث. الصور على الشاشة أكثر إقناعا.
تتحدث أيضا عن تجربة عاشتها في باريس، «عندما عرضت، خلال السنوات الأخيرة، أفلام هنغارية رائعة. عديمو الأمل لجانسوا، علمني ما لا يمكن أن يفعله كتاب، كيف اندلعت الثورة في هنغاريا في القرن التاسع عشر. لم تستسغ ذائقتي الأحمر والأبيض، حيث أغرق المخرج في الجمالية. عشت الأصلاح الزراعي في بوادي هنغاريا مع فيلم عشرة الاف شمس لـ (زابو) هنا أيضا جعلتني صورة الأراضي والضيعات والوجوه أفهم الحكاية أكثر من أي نص مكتوب”.
عن الأفلام الوثائقية تشير بوفوار أنها من النادر أن تشاهد الأفلام الوثائقية. إنه يلقّنني معارف خارج كل سياق، في أوقات لا رغبة لي فيها بابتلاعها، خلال السنوات الأخيرة، واحد منها فقط حاز على انتباهي: ريبورتاج بالألوان عن بناريس. إنها كلمة قد حلمت بها، حيث الصور توقظ في داخلي فضولا قديما. في المقابل يهمني المونتاج الذي يحاول إحياء حقبة ما.