علاء المفرجي
ادب المراسلات، هذه الواحة الفكرية وادب الرسائل جنس ادبي قائم بذاته ومتميز بعالمه الخاص كباقي الأنواع الأدبية الاخرى التي تضرب في أعماق الإنسانية، وتحاول توثيق الأحاسيس والأحداث، والمشاعر الحميمية الاعمق رقة في نفس الانسان.
في الكتاب الصادر عن دار (خطوط وظلال) بعنوان (أميل زولا.. رسائل مختارة) ترجمة وتقديم: إسكندر حبش، الرسائل المترجمة بين دفتيّ هذا الكتاب، كلّ متن الرسائل، التي كتبها إميل زولا في حياته، فما سوف نقرأه هنا، ليس سوى النُذر القليل، والقليل جدا، من هذه المراسلات الشاسعة، التي جمعته مع أصدقاء كتّاب، ومع قراء، ومع أفراد عائلته، وغيرهم العديد، ناهيك عن تلك التي كتبها في أمور عامة ونشرها في صحف ومجلات تلك الحقبة، وهو ما اصطلح على تسميته بــ «الرسالة المفتوحة». فمثلما نعرف، شكلّت الرسالة، عند كتّاب القرون الماضية، لا وسيلة تواصل فقط، بل شكّلت أيضا أدبا قائما بذاته، وفنّا حاول الجميع الدخول إلى عتبته. فهذا الفنّ الكتابي، قاد عديدين، تاليا، إلى كتابة حتى روايات وأقاصيص بأسلوب التراسل، وهو نوع وجد حضورا كبيرا في المجتمع الأوروبي، في العصور الماضية، ولا يزال حاضرا إلى أيامنا هذا، (ولا ينفي هذا أن ثمة أدبا عربيا روائيا، اعتمد بدوره صيغة الرسائل للكتابة.)
يقول المترجم إسكندر حبش: «في أيّ حال، وبالعودة الى هذه الرسائل الموجودة هنا والخاصة بالكاتب الفرنسي إميل زولا، نجد انها تشكل مختارات اولى من الرسائل العائدة الى مرحلة الشباب وبداية العمل في الكتابة، وكما سنجد بعد قراءتها، فهي خاصة بكتّاب وفنانين وعاملين بحقل الادب (بمعناها الواسع) كان زولا يكتب اليهم، ليخبرهم عن مشاغلة وعن تعبه، وعن غضبه ايضا حين يجد مقالة نُشرت في صحيفة ما، اساءت فهم رواية له، او عمل مسرحي لم يستطيع ان يلفت الانتباه، فما كان عليه الا ان يأخذ امر الشرح على عاتقه، ليكاتب صاحب المقالة، ومحاولا توضح نظرته في العمل الذي قدمته.»
وهناك ميزة ثانية في هذه الرسائل (وليست حكرا على زولا وحده، بل نجدها غالبية كتّاب العصور الماضية) وهي أشارتها الى بعض احداث المجتمع التي كانت تجري وقتها، وكأنها-اي هذه الرسائل- تشكل بدورها، وبعيدا عن قيمتها الادبية، وثيقة تاريخية ما، ما بمعنى ثمة احداث من التاريخ، قد نفهمها من خلال هذه الاشارات اليها، ولنفهم بالتالي وجهة نظر الكاتب، فيما يخص امور مجتمعه.
قراءة هذه الرسائل، تضعنا ايضا في قلب مشاغل الروائي الفرنسي: الكتابية والحياتية، اي تدخلنا أكثر الى حميمية الكائن، لنكتشف بعض التفاصيل، بعيدا عن اي مسوغات تفرضها علينا ا لكتابة الادبية احيانا، بمعنى ثمة خطاب مباشر، يذهب الى القضية رأسا، من دون لفّ او دوران، لنقع على الرأي الخاص، مجردا من كل تزاويق لنقع على المعنى الذي لا لُبس فيه.
يقول حبش: «ما حاولته هذه الترجمة، ومثلما سيلاحظ القارئ، هو جمعي في فصول، مراسلات كل شخص على حِدة، على سبيل المثال، ما كتبه زولا الى زميلة وصديقة الروائي غوستاف فلوبير، نجده يشكل فصلا مستقلا، وان كانت الرسائل تتبع التسلسل الزمني (الكرونولوجي) وما كتبه زولا الى الكاتب الروسي ايفان تورغينييف، يأتي في فصل لاحق، مستندا ايضا الى هذا التسلسل، وهكذا دواليك، مع جميع الذين (غي دو موباسان، الفونس دوديه. وآخرين) تلقوا «مكاتيب» مع «منظّر المدرسة الطبيعية» في أدب القرن التاسع عشر.»
يضيف إسكندر حبش أن هذه الرسائل هنا، تشكل الجزء الاول، من رسائل زولا، ستليها اجزاء اخرى، ولا تقتصر فقط على مراسلاته مع اهل الفن والكتابة، بل سوف تحاول ان تقدم نظر زولا الى مختلف الامور التي شغلته والتي بدون شك شكلت «محترفا ومختبرا» لعمله الابداعي.
و إميل زولا (1840 - 1902) هو كاتب وروائي فرنسي مؤثر يمثل أهم نموذج للمدرسة الأدبية التي تتبع الطبيعية، وكان مساهما هاما في تطوير المسرحية الطبيعية، وشخصية هامة في المجالات السياسية وبخاصة في تحرير فرنسا كمساهم في تبرئة من اتهم زورا وأدين - ضابط الجيش ألفريد دريفوس.